مفهوم العمالة في منظور الاقتصاد في الاسلام

- مفهوم العمالة:
العمالة، التوظف، التشغيل، الاستخدام.
هل هذه المصطلحات، من قبيل المترادفات أم لكل مصطلح معنى خاص؟
* العمالة:
العمالة في اللغة:
وردت العمالة في كتب اللغة، مضمومة العين، ومفتوحة العين ومكسورة العين، أي العُمالة والعَمالة والعِمالة.
يقول ابن منظور في اللسان: ((العِمْلة والعُمْلة والعَمالة والعُمالة والعِمالة، كله: أجرُ ما عُمل. ويقال عملت القوم عُمالتهم إذا أعطيتهم إياها.
قال الأزهري: ((العُمالة - بالضم - رزق العامل الذي جُعل له على ما قُلِّد من العمل..)).
وردت العُمالة - بالضم - بمعنى أجرى العامل ورزقه، وذلك في (القاموس المحيط - المصباح المنير - مختار الصحاح - المعجم الوسيط وغيرها).  
ووردت العَمالة - بالفتح - بمعنى حرفة العامل ورتبته، وذلك في: (اللسان - المعجم الوسيط - المعجم الوجيز - المنجد وغيرها).
ووردت العِمالة - بالكسر - بمعنى العُمالة أي أجر العامل، وذلك في (اللسان - القاموس المحيط - المصباح المنير - مجمل اللغة - المعجم الوجيز، وغيرها).
يقول أحد الباحثين: (العملة والعمال الذي يعملون بأيديهم، والعُمالة والعُمْلة: أجرة العامل. فما يأخذه العامل من الأجرة يقول له: عُمالة بضم العين).
ومن ذلك كله، يتضح أن مصطلح العمالة قد ورد في اللغة بمعنى الأجرة، وبمعنى الحرفة أو المرتبة أي العمل نفسه، ولكن ما نريد توضيحه هو أن مصطلح العمالة في أصل إطلاقه كان على معنى أجرة ما يلي الزكاة، ثم انسحب معناه إلى غير ذلك.
وفي ذلك يقول أبو هلال العسكري في كتابه:
(وأصل العمالة أجرة مَنْ يلي الصدقة، ثم كثر استعمالها حتى أجريت على غير ذلك).
ومن هنا، فلا بأس من إطلاق مصطلح العمالة على العمل نفسه، وبهذا يكون مصطلح العمالة في الاقتصاد الوضعي هو نفسه في الاقتصاد الإسلامي، وإن كان هناك بعض الاختلافات.  
العمالة في التفسير:
قال الراغب الأصفهاني في المفردات: (وقوله تعالى: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ هم المتولُّون الصدقة، والعَمَالة أجْرته).
وقد أورد الطبري في تفسيره هذين الأثرين:
16842- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال حدثنا عبدالوهاب ابن عطاء عن الأخضر بن عجلان قال: حدثنا عطاء بن زهير العامري عن أبيه: أنه لقي عبدالله بن عمرو بن العاص، فسأله الصدقة: أيُّ مال هي؟ فقال: مال العُرْجان والعُوران والعميان، وكل منقطع به. فقال له: إن للعاملين حقًا والمجاهدين، قال: إن المجاهدين قوم أحل لهم، والعاملين عليها مع قدر عُمالتهم..)).
16843- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: يكون للعامل عليها إن عمل بالحق، ولم يكن عمر رحمة الله عليه ولا أولئك يعطون العامل الثْمن، إنما يفرضون بقدر عُمالته)).
ثم قال أبو جعفر (الطبري): ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول مَنْ قال: يعطى العامل عليها على قدر عُمالته وأجر مثله)).
ونجد أن العمالة وردت هنا، بمعنى الأجرة.
العمالة في الحديث:
وردت العمالة في أكثر من سبعة أحاديث، وقد أُحصيت في  كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي.
نذكر منها ما يلي:
1- حدثنا أبو الوليد الطيالسي: حدثنا الليث عن بكير بن عبدالله ابن الأشج عن بُسْر بن سعيد عن ابن الساعدي قال: استعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها أمر لي بعُمالة (العُمالة بضم العين أجر العامل على عمله) فقلت: إنما عملت لله، وأجري على الله، قال: خُذ ما أعطيت فإني قد عملت على عهد رسول الله r فعمَّلني (بتشديد الميم أعطاني العُمالة) فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله r: ((إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل فكل وتصدق..)).
2- أخبرنا سعيد بن عبدالرحمن أبو عبيدالله المخزومي قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى قال أخبرني عبدالله بن السعدي أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام فقال: ((ألم أخبر أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين فتعطى عليه عُمالة (أجرة)، فلا تقبلها (وفي رواية أخرى ((رددتها))، وفي رواية ثالثة ((كرهتها))) قال: أجل. إن لي أفراسًا وأعبدًا وأنا بخير وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين..).  
3- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((يأكل الوصيُّ بقدر عمالته)).
4- حديث ابن عمر قال: يجيء القرآن يشفع لصاحبه، يقول: ((يا رب لكل عامل عمالة من عمله، وإني كنت أمنعه اللذة والنوم..)).
وغير ذلك من الأحاديث الواردة.
والعمالة هنا، تعني الأجرة كذلك.
العمالة في الفقه:
وردت في كتب كثيرة، وفي المذاهب الفقهية الأربعة، وفي غيرها، نختار بعض النصوص على النحو التالي:
1- جاء في القاموس الفقهي: (العَمالة: العمل، العُمالة: أجرة العامل، العِمالة: العُمالة. العمل: المهنة (ج) أعمال..)(.
2- جاء في المغني: مسألة: قال (إلاَّ أن يكونوا من العاملين  عليها فيعطون بحق ما عملوا) وجملته: (أنه يجوز أن يأخذ عمالته من الزكاة سواء كان حرًا أو عبدًا).
3- جاء في بدائع الصنائع: (...، إلاَّ العاملين عليها، فإنهم مع غناهم يستحقون العمالة، لأن السبب في حقهم العمالة لما نذكر..) ثم يقول: (...، ولنا أن ما يستحقه العامل إنما يستحقه بطريق العمالة لا بطريق الزكاة بدليل أنه يُعطى إن كان غنيًا بالإجماع).
هنا أيضًا، وردت العمالة بمعنى الأجرة.
العمالة عند السلف:
1- جاء في كتاب الخراج لأبي يوسف ما نصه:
حدثني محمد بن أبي حميد قال: حدثنا أشياخنا: أن أبا عبيدة ابن الجراح قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((دنست أصحاب رسول الله r فقال له عمر: يا أبا عبيدة إذا لم أستعن بأهل الدين على سلامة ديني فبمن أستعين؟ قال: أما إن فعلت. فأغنهم بالعُمالة عن الخيانة.
يقول: إذا استعملتهم على شيء فأجزل لهم في العطاء والرزق لا يحتاجون...)).
2- جاء في كتاب الأموال لأبي عبيد ما نصه:
(قال جعفر: وسمعت ميمونًا ويزيد بن يزيد يتذاكران الزكاة، فقال يزيد: كان عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - إذا أعطى الرجل عُمالته (أجرة  عمله) أخذ منها الزكاة...).
قُصد بالعمالة هنا الأجرة التي يقبضها الرجل عن عمله، مثل رواتب الموظفين والعمال في عصرنا.
العمالة في الشعر:
سند الحديث الثاني المذكور في العُمالة نظمه بعضهمفي بيتين فقال:
وفي العُمالة إسناد بأربعة=من الصحابة فيهم عنهم ظهرا
السائب بن يزيد عن حويطب=عبدالله حدثه بذاك عن عمرا
هذه هي العمالة في اللغة والتفسير والحديث والفقه والشعر وعند السلف.
* التوظف:
التوظيف في اللغة:
يقول ابن منظور في اللسان: (الوظيفة من كل شيء: ما يقدَّر له في كل يوم من رزق أو طعام أو علف أو شراب، وجمعها الوظائف الوُظُف. ووظف الشيء على نفسه توظيفًا: ألزمها إياه)).
والتوظيف: (أخذ جزء غير محدد بنسبة من أموال الأغنياء لصالح الخزانة العامة عند الطوارئ الداهمة، إذا عجزت موارد الخزانة العامة عن مواجهتها).  
والوظائف والوظيفة والكلف السلطانية والنوائب السلطانية والضرائب بمعنى واحد.
يقول أحد الباحثين: (شاع التعبير بعبارة التوظيف عن فرض الضرائب - والتعبير عن تلك الفرائض بالوظائف جمع وظيفة وبالكلف السلطانية وبالنوائب السلطانية. والشائع بكثير هو التوظيف والوظيفة).
ويقول كذلك أحد الباحثين: (عرف الفقه الإسلامي ضرائب غير الزكاة، أي ضرائب عادلة أقرها جماعة من فقهاء المذاهب المتبوعة، كما عرفوا الضرائب غير العادلة، ورتبوا عليها أحكامًا لكنهم لم يطلقوا على هذه وتلك اسم الضرائب، بل سماها بعض الفقهاء من المالكية ((الوظائف)) أو ((الخراج)).
وسماها بعض الحنفية ((النوائب)) جمع نائبة، وهي اسم لما ينوب الفرد من جهة السلطان بحق أو بباطل.
وسماها بعض الحنابلة ((الكلف السلطانية)) أي التكليفات المالية التي يلزم بها السلطان رعيته أو طائفة منهم...
والتوظيف أو الوظيفة أو الوظائف هي أحد الإجراءات التي يتدخل بها الإسلام في الملكية الخاصة.
ومن هنا، يتضح أن مصطلح التوظيف يختلف عن مصطلح  العمالة، فللتوظيف معنى مختلف ومضمون مغاير.
وقد تكلم في موضوع التوظيف كثير من العلماء والفقهاء القدامى والمحدثين.
* التشغيل:
التشغيل في اللغة:
الشَّغْل والشَّغَل والشُّغْل والشُّغُل، كله واحد، والجمع أشغال وشغول. وقد شغله يَشْغله شَغْلاً وشُغْلاً.
وشغل الدار شَغْلاً: سكنها. وشغَّله: جعله يشتغل.
واشتغل بكذا: زواله. والشُّغل: ضد الفراغ. ويطلق على العمل، فيقال: شُغْل شاق. وعلى ما يعمل، فيقال: شُغْل جيد)).
والتشغيل يعني العمل.  
* الاستخدام:
الاستخدام في اللغة:
سؤال الخدمة أو اتخاذ الخادم)).
في الفقه: لا يخرج الاستعمال الفقهي عن هذين المعنيين، ومن الألفاظ ذات الصلة، الاستعانة والاستئجار)).
ومن ذلك كله يتضح الآتي:
1- مصطلح العمالة يقصد به أجرة العامل في الأصل.
2- مصطلح التوظيف يقصد به ما يأخذه الحاكم أو الوالي من الأغنياء لصالح الخزانة العامة عند الحاجة واليسار.
3- مصطلح التشغيل يقصد به العمل.
4- مصطلح الاستخدام يقصد به سؤال الخدمة أو اتخاذ الخادم.
وعلى هذا، فإن لكل مصطلح معنى مغايرًا للمصطلح الآخر، فالعمالة والتوظف لهما مضامين أخرى.
لذا، فإن مصطلح التشغيل في الاقتصاد الإسلامي يوافق مصطلح العمالة (التوظف أو التشغيل) في الاقتصاد الوضعي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قد يهمك أيضاً :