ما هي أهداف العولمة الثقافية:-؟

https://encrypted-tbn1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcTX5Wzg5aaVRmvVxwu6Se7sJjRp91vsluhGrtIaVJ6_eWqnIDk

     يتفق عديد من الباحثين على أن الثقافة من أخطر الوجوه الحضارية المتأثرة بالعولمة، يقول سيار الجميل:"ولم ينحصر الأمر في الاقتصاديات المعولمة بل طالت وبسرعة شديدة ونسبية عالية هذه العولمة ثقافات الشعوب وقيمها وعاداتها".     
     تقوم العولمة في الجانب الثقافي علي انتشار المعلومات، وسهولة حركتها، وزيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات، أي تقوم علي إيجاد ثقافة عالمية، وعولمة الاتصالات، عن طريق البث التليفزيوني عبر الأقمار الصناعية، وبصورة أكثر عمقا خلال شبكة الإنترنت، التي تربط البشر بكل أنحاء المعمورة. كما تعني العولمة الثقافية بتوحيد القيم الاجتماعية، وخاصة حول المرأة والأسرة، باختصار تركز العولمة الثقافية علي مفهوم الشمولية ثقافة بلا حدود، وآلة ذلك وسائل الإعلان والإعلام والاتصال والتقنيات.

        إنَّ من أخطر أهداف العولمة ما يعرف بالعولمة الثقافية، التي تتجاوز الحدود التي أقامتها الشعوب لتحمي كيان وجودها، وما له من خصائص تاريخية وقومية وسياسية ودينية، ولتحمي ثرواتها الطبيعية والبشرية، وتراثها الفكري الثقافي، حتى تضمن لنفسها البقاء والاستمرار والقدرة على التنمية، ومن ثمّ الحصول على دور مؤثر في المجتمع الدولي. فالعولمة الثقافية تقوم على تسييد الثقافة الرأسمالية لتصبح الثقافة العليا، كما أنَّها ترسم حدوداً أخرى مختلفة عن الحدود الوطنية مستخدمة في ذلك شبكات الهيمنة العالمية على الاقتصاد والأذواق والثقافة. هذه الحدود هي:"حدود الفضاء (السبرنيتي) والذي هو بحق وطن جديد لا ينتمي لا إلى الجغرافيا ولا إلى التاريخ، هو وطن بدون حدود، بدون ذاكرة، إنّه وطن تبنيه شبكات الاتصال المعلوماتية الإلكترونية".
      ومن أهداف العولمة الثقافية التعدي الصريح والمباشر على القوميات الثقافية في العالم، وهذا يتحقق بتقديم مضامين وصور تنتمي إلى ثقافات الأقوياء، حيث تخترق الحدود الجغرافية والسياسية والقانونية للشعوب الأضعف.
     العولمة الثقافية في خدمة السيادة المركزية، والهيمنة الغربية(النظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا)، وتوطيد معاني العولمة الاقتصادية والسياسية، ونقل هذا النموذج الثقافي العالمي إلى باقي الشعوب الأخرى. إنها تهدف إلى نزع الخصوصية الفردية ومحو الهوية الذاتية للمجتمعات، خاصة المجتمعات العربية الإسلامية، ذلك أن أنصار العولمة لا يعترفون بالهوية الشخصية، سواء هوية الفرد الواحد، أو المجتمع الواحد، أو الدولة الواحدة، أو الأمة الواحدة. تهدف العولمة إلى توحيد الثقافة العالمية، وصهرها في ثقافة واحدة، وإلغاء التعددية الثقافية وحق التنوع الثقافي.

     إنّ العولمة لا تكتفي بتسييد ثقافة ما، بل تنفي الثقافة من حيث المبدأ، وذلك لأنّ الثقافة التي يجري تسييدها تعبر عن عداء شديد لأي صورة من صور التميز، إنّ الثقافة الغربية تريد من العالم أجمع أن يعتمد المعايير المادية النفعية الغربية، كأساس لتطوره، وكقيمة اجتماعية وأخلاقية، وبهذا فإنّ ما تبقى يجب أن يسقط، وما تبقى هنا هو"ليست خصوصية قومية بل مفهوم الخصوصية نفسه، وليس تاريخا بعينه بل فكرة التاريخ، وليس هوية بعينها وإنما كل الهويات، وليس منظومة قيمية بل فكرة القيمة، وليس نوعا بشريا، وإنّما فكرة الإنسان المطلق نفسه". إنَّها تسعي إلى تحطيم كل الثوابت الدينية والفكرية والأخلاقية، للوصول إلى بناء إنسان هامشي، دون جذور قوية ثابتة، كي يذوب بسهولة في بحر الثقافة الغربية الرأسمالية المادية.
       العولمة الثقافية تعني أوَّل ما تعني سلب سيطرة الدول على المجال الثقافي، بغية إحداث خلخلة في البنية الثقافية لتلك الدول مما يساعد بطبيعة الحال على نشر ثقافة العولمة، التي هي السلاح الآخر الذي أخذ تجار العولمة يستخدمونه لامتصاص ثروات الشعوب. إنَّ عولمة الثقافة تهدف بالدرجة الأولى إلى إقصاء الثقافات الأخرى عن العالمية بحجَّة تعارضها وعدم قدرتها على الانسجام مع توجهات الثقافة الغربية المادية، وفي الوقت ذاته القيام بعملية خنق للثقافة العربية الإسلامية وإيقاف، كما يدعون، خطرها الزاحف على الغرب.

يقول العالم الأمريكي المعروف ناعوم تشومسكي:"إنّ العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ الإعلام، تعزز سيطرة المركز الأمريكي على الأطراف، أي على العالم كله".

        ويقول الكاتب عبد الإله بلقيزر:"العولمة كما يدعي روادها هي انتقال من مرحلة الثقافة الوطنية إلى ثقافة عليا جديدة "عالمية"، وهي في حقيقتها اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات الأخرى، وهي اختراق تقني يستخدم وسائل النقل والاتصال لهدر سيادة الثقافات الأخرى للشعوب، وفرض الثقافة الغربية".

         وقد دعا المفكر الياباني الأستاذ "يوشيهارا كونيو"- في محاضرة ألقاها في المعهد الوطني للإدارة العامة بالعاصمة الماليزية كوالالامبور يوم الاثنين 27/8/2001م- الدول النامية إلى وضع خطة إستراتيجية لمواجهة مخاطر العولمة اللغوية والثقافية. من أجل المحافظة على لغتها المحلية والقومية، وإبقائها كوسيلة للتعلم والتخاطب، وحث الدول النامية على ضرورة تقوية ثقافتها الوطنية، بمحتوياتها من دين وعادات وقيم، وغيرها لتعزيز الهوية الذاتية لكل بلد، والحفاظ على روح الفخر بالثقافة الوطنية بين السكان في مواجهة الثقافة الغربية الدخيلة.
       ويقول د.عبد الفتاح أحمد الفاوي:" ليست العولمة انتقالاً من ظاهرة الثقافة الوطنية والقومية إلي ثقافة عليا جديدة هي الثقافة العالمية، بل إنّها فعل اغتصاب ثقافي، وعدواني رمزي علي سائر الثقافات، خاصة ثقافتنا العربية والإسلامية".
       إنَّ العولمة الثقافية وصلت إلى درجة الاختراق الثقافي، بل والاكتساح الثقافي والمعرفي ومن الملاحظ أنَّ العولمة تحمل في طياتها مشروعا لأمركة العالم، لأنَّ القيم النفسية والسلوكية والعقائدية الأمريكية هي المهيمنة على هذه العولمة الثقافية.

      ودعا دافيد روشكويف (أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كولومبيا والمسئول السابق في حكومة الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون) الولايات المتحدة إلى استغلال الثورة المعلوماتية الكونية للترويج للثقافة والقيم الأمريكية على حساب الثقافات الأخرى، لأنّ الأمريكان أكثر الأمم عدلاً وتسامحاً وهم النموذج الأفضل للمستقبل، والأقدر على قيادة العالم.
      ويقول شتراوس هوب في كتابه(توازن الغد):"إنّ المهمة الأساسية لأمريكا توحيد الكرة الأرضية تحت قيادتها، واستمرار هيمنة الثقافة الغربية، وهذه المهمة التي لا بد من إنجازها بسرعة في مواجهة نمور آسيا وأيّ قوى أخرى لا تنتمي للحضارة الغربية".   

        إذاً من الأهداف الثقافية للعولمة: الترويج لفلسفة النظام الغربي الرأسمالي النفعي البرجماتي، وفرض الثقافة الغربية الوافدة، وجعلها في محل الصدارة والهيمنة في العالم وقهر الهوية الثقافية للأمم والشعوب الأخرى، على أن تظل الثقافات الأخرى محدودةً في نطاق السلوك الفردي لا تتعداه، فالدساتير والنظم والقوانين والقيم الأخلاقية يجب أن تستمد من الفلسفة المادية النفعية، ومن ثقافة الرجل الأبيض العلمانية، المناهضة للعقائد والشرائع السماوية.

 ويجدر أن نذكر هنا حقيقة مفادها أنَّ بعض المفكرين الأمريكان يرون استحالة  تحقيق الغرب لعولمة الثقافة بحيث تندرج الشعوب غير الغربية في الثقافة الغربية المنفردة، لأن كل ثقافة تحمل خصائص تاريخية ودينية وثقافية تجهل من الصعوبة أن يندمج فيها أصحاب الثقافة الأخرى، ومن هؤلاء الكاتب الأمريكي صمويل هنتنغتون صاحب كتاب صراع الحضارات. الذي كتب في عدد شهري نوفمبر- ديسمبر 1996م من مجلة (شؤون خارجية) دراسة تحت عنوان مثير للغرابة:(الغرب متفرد وليس عالميا) يقول فيها:"إن شعوب العالم غير الغربية لا يمكن لها أن تدخل في النسيج الحضاري للغرب، حتى وإن استهلكت البضائع الغربية، وشاهدت الأفلام الأمريكية، واستمعت إلى الموسيقى الغربية، فروح كل حضارة هي:اللغة والدين والقيم والتقاليد والعادات، وحضارة الغرب تتميَّز بكونها وريثة الحضارات اليونانية والرومانية، والمسيحية الغربية والأصول اللاتينية للغات شعوبها، والفصل بين الدين والدولة، وسيادة القانون والتعددية في ظل المجتمع المدني، والهياكل النيابية والحرية الفردية".
       يقول الباحث د. محمد أمخرون:"ومن المؤكّد أنّ المستهدف بهذا الغزو الثقافي هم المسلمون. وذلك لما يلي:-
أ – ما تملكه بلادهم من مواد أولية هائلة يأتي على رأسها النفط والغاز وثروات طبيعية أخرى.

ب – ما ثبت لهم عبر مراكزهم وبحوثهم وجامعاتهم ومستشرقيهم من أنّ هذه الأمة مستعصية على الهزيمة، إذا حافظت على هويتها الإسلامية، ومن ثمَّ فالطريق الوحيد لإخضاعها يتمثل في القضاء على تفرد شخصيتها، وإلغاء دينها ومنهجه للحياة الذي يبعث في الأمة الرفض لكل أشكال الاحتلال والسيطرة ".
ج – الحفاظ على أمن الكيان الاستعماري الصهيوني(إسرائيل) في قلب العالم الإسلامي، وهو من أهم أهداف العولـمة في بلاد العرب والمسلمين.
د– لاعتقادهم أنَّ الحضارة الإسلامية بعقيدتها وشريعتها، ونظام أخلاقها، وإنجازاتها التاريخية هي النقيض الوحيد الشامل لفلسفة العولـمة، وفلسفتها وأنظمتها، وقيمها الهابطة في هذه الدنيا التي نعيش فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قد يهمك أيضاً :