وسائل العولمة:

يقول المفكر الإسلامي الألماني الدكتور مراد هوفمان:العولمة تتبنى الوسائل المريبة الزاحفة لتمزيق الأمة الإسلامية، والطغيان على قيمها السامية بالعمل على شيوع القيم المتدنية التي تصاحب بالغزو الفكري، والاستهلاكي مثل:طغيان الاستهلاك والنهم المادي، وشيوع العنف، والجنس، والمادية، والفردية، والافتتان بالثروة والسعي إليها بأي سبيل والتخلي عن القيم.
لقد لجأت القوى الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الوسائل التالية من أجل تحقيق الأهداف المنشودة من وراء العولمة الثقافية. ومنها:-
1- تسخير القوى العلمانية الداخلية من الكتاب ورجال الإعلام، ورجال التربية لصالح العولمة، تجنيد المفكرين وهؤلاء الكتاب يروجون للأفكار العولمة والكونية، ويؤكدون أن الشعور بالولاء لأمة أو وطن قد أصبح من مخلفات الماضي التي يحسن إهمالها ونسيانها..ويؤيدون التدخل الأجنبي في التفكير وطرائق الحياة على شعوب العالم، والتدخل في المناهج التعليمية في الدول المختلفة ومنها الإسلامية، لتغيير عقول الناشئة، وتذويب هويتهم الثقافية والاعتقادية، ومن ثم تهيئتهم لتقبل ما تبث وسائل الإعلام الأمريكية من قيم مادية هابطة.
2- إحلال الثقافة الغربية بدل الثقافة الإسلامية من خلال اللغة:إذ اللغة أداة مهمة اعتمدتها قوى العولمة في بسط هيمنتها الثقافية، ففي هذا الجانب يشير الكاتب صامويل هانتينقتونمن إلى أن العالم يتوجه نحو حرب حضارية تكون فيها القيم اللغوية والرمزية هي الحدود القتالية. ويذهب السياسي الفرنسي بينو في نفس الاتجاه عندما يقول لقد خسرت فرنسا إمبراطورية استعمارية، وعليها أن تعوضها بإمبراطورية ثقافية". فتم نشر اللغة الإنجليزية، من خلال الملابس والأزياء، والمأكولات، والمنتجات الغربية، وإقامة المطاعم الأمريكية (ماكدونالدز)، وإقامة شركات إنتاج المواد الغذائية الأمريكية، ومن أمثلتها شركة (كوكا كولا) للمشروبات الغازية.

3- استخدام شبكات الاتصال الحديثة: كالأقمار الصناعية، والقنوات الفضائية، وشاشات الحاسوب، لإحداث التغيرات المطلوبة لعولمة العالم ثقافيا.

4- السيطرة والتحكم بجميع وسائل تجهيزات المعلومات والحاسوب، وغزو الفضاء. يقول رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد:"إنكم ستتفاجئون عندما تعرفون أن 50% من التعاملات المالية عبر الإنترنت في مجال المنتجات الإباحية. وبينما نحن المسلمين نغطي عوراتنا بكل طاعة واتباع لديننا فإننا نُجرّ لتنـزيل أفحش الصور والأفلام من الإنترنت. وتتهدد أخلاقنا وأخلاق أطفالنا والأجيال القادمة حتى يصبح اعتناقنا للإسلام بلا معنى، ولا نعلم عن التقنيات أو الأساليب التي نواجه بها ذلك".
5- الشركات متعدية الجنسيات التي تقوم بإحداث هذه التغييرات والتعديلات، مع الاستعانة بجهود هيئات ومؤسسات أخرى، منها المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد والبنك الدولي، ومنها وكالات الأمم المتحدة المختلفة العاملة في ميادين التنمية والثقافة.
6- امتلاك الشركات الضخمة التي تنتج الثقافات الشعبية كالسينما والموسيقى، وعبر الزيادة الضخمة في الإعلان, فقدرات الشركات الإعلامية الضخمة تتجاوز الحدود السياسية والثقافية بين المجتمعات. لقد أصبح معلوما التفوق الأمريكي في صناعة الأفلام والموسيقى، وتمتعها بسوق خارجية ضخمة في ظل انتشار التلفزيون، والأقمار الصناعة، وقنوات الفضاء التي أدخلت البث التلفزيوني إلى كل بيت في العالم.
     تشير إحصاءات منظمة اليونسكو عن الوطن العربي إلي أنّ شبكات التليفزيون العربية تستورد ما بين ثلث إجمالي البث كما في سوريا ونصف هذا الإجمالي كما في تونس والجزائر، أما في لبنان فإن البرامج الأجنبية تزيد علي نصف إجمالي المواد المبثوثة إذ تبلغ 58,5% وتبلغ البرامج الأجنبية في لبنان 69% من مجموع البرامج الثقافية، ولا تكتفي بذلك، بل وغالب هذه البرامج يبث من غير ترجمة، وثلثا برامج الأطفال تبث بلغة أجنبية من غير ترجمة في معظمها.
7- استخدام وسائل الدعاية والإعلام: إن الشركات الاعلامية المتعددة الجنسيات تمتلك إمكانيات ضخمة لاختراق الحدود القومية والثقافية، وحرصت هذه الشركات الاعلامية على العمل عبر وكلاء محليين، وتتخذ هذه العمليات أنماطاً وصيغاً مختلفة، فمثلا توجد اتفاقيات لإعادة البث وشراء البرامج، أو الإنتاج المشترك للمواد والمضامين الاعلامية، علاوة على توجيه استثمارات مباشرة.

      إنّ طغيان الإعلام والثقافة الأمريكيتين في القنوات الفضائية دفع وزير العدل الفرنسي جاك كوبون أن يقول:"إنّ شبكة المعلومات الدولية بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر، وهناك إجماع فرنسي على اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة لحماية اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية من التأثير الأمريكي".

       يقول العالم الأمريكي المعروف ناعوم تشومسكي:"إنّ العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ الإعلام، تعزز سيطرة المركز الأمريكي على الأطراف، أي على العالم كله".

        ولقد هاجم وزير الثقافة الفرنسي هجوماً قوياً أمريكا في اجتماع اليونسكو بالمكسيك وقال:" إنّي أستغرب أن تكون الدول التي علّمت الشعوب قدراً كبيراً من الحرية ودعت إلى الثورة على الطغيان هي التي تحاول أن تفرض ثقافة شمولية وحيدة على العالم أجمع. ثمّ قال:إنّ هذا شكل من أشكال الإمبريالية المالية والفكرية، لا يحتل الأراضي، ولكن تصادر الضمائر، ومناهج التفكير واختلاف أنماط العيش". وتبعاً لهذه السياسة قررت فرنسا أن تكون نسبة الأفلام الفرنسية المعروضة باللغة الفرنسية في التلفاز الفرنسي60%. وفي المقاطعات الكندية بلغت الهيمنة الأمريكية في مجال تدفق البرامج الإعلامية والتلفاز إلى حد دعا مجموعة من الخبراء إلى التنبيه إلى أن الأطفال الكنديين، أصبحوا لا يدركون أنّهم كنديون لكثرة ما يشاهدون من برامج أمريكية.
5- استخدام المعونات والمنح والقروض الأمريكية، وربطها بتنمية الاتجاهات الثقافية الموالية للسياسة الأمريكية. ومسايرة الوجه الثقافي والتربوي للعولمة.
6- التوسع في قبول الطلاب الأجانب في الجامعات والمعاهد الغربية، ففي أمريكا وحدها أكثر من عشرين ألف جامعة ومعهد، مهمتها القيام بالبرامج الثقافية التي ترسخ لديهم الثقافة الغربية، وتستخدمهم وسائل إضافية للعولمة. لقد نجحت أمريكا في تطوير صناعة ثقافية موجهة لشريحة الشباب داخل وخارج أمريكا، وهم الشريحة الأوسع على مستوى العالم، وهم رجال المستقبل الذين سيشغلون في مجتمعاتهم مواقع التأثير والنفوذ. ولقد فتحت أمريكا معاهدها وجامعاتها أمام الطلبة من أنحاء العالم، وهؤلاء يشكلون النخب في بلدانهم بعد عودتهم إليها بما يحملون من الأنماط الثقافية وطرق التفكير المقتبسة من أمريكا".

       يذكر أحد الغربيين أسلوب صناعة الفكر الغربي لدى الطلبة الشرقيين فيقول:" كنّا نحضر أولاد الأشراف والأثرياء والسادة من أفريقيا وآسيا، ونطوف بهم لبضعة أيام في أمستردام ولندن، فتتغير مناهجهم، ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية، فيتعلمون لغتنا، وأسلوب رقصنا وركوب عرباتنا، ثمّ نعلمهم أسلوب الحياة الغربية، ثمّ نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا، ثمّ نرسلهم إلى بلادهم.
7- استغلال واستخدام ما يسمى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، واعتبارات الحياة المعاصرة، ومواثيق الأمم المتحـدة في محاربة منظومة القيم الثقافية، ومجموعة التشريعات والأنظمة الإسلامية السائدة في المجتمعات الإسلامية.
8- استغلال المؤتمرات الاقتصادية، ومؤتمرات التنمية والسكان، التي تعقد في كافة دول العالم، واستخدامها للترويج لثقافة وفكرة العولمة.
9- إشاعة ثقافة فن الرقص والغناء والموسيقى، من خلال تنظيم المهرجانات الفنية الغنائية والموسيقية، واللقاءات الشبابية(للبنين والبنات)، التي تشترك فيها فرق ووفود من كل أنحاء العالم، وتوظيفها لخدمة ثقافة العولمة وتحقيق أهدافها.
10- بناء الشركات الضخمة المنتجة للثقافة، وتحقيق اندماجات كبيرة تزيد من فاعلية تلك الشركات, وكان من تلك الاندماجات وأكبرها ما حدث مؤخراً بين شركة أميركا أون لاين كبرى شركات الانترنيت وشركة تايم وارنر عملاق قطاع الإعلام، وبذلك ستشكل الشركتان إمبراطورية هائلة يمتد نشاطها من المجلات وأفلام السينما إلى "الانترنت"، وهي ستزيد في إغراق السوق الثقافية بمنتجاتها المنتمية إلى ثقافة واحدة مهيمنة. يقول ستيف كيس رئيس أمريكا أون لاين ومديرها التنفيذي: نحن نبدأ القرن الجديد بشركة جديدة فريدة تمتلك أصولاً لا مثيل لها، وهي ستكون ذات قدرة تأثيرية هائلة على المجتمع...وبالاندماج مع تايم وارنر سنغير بشكل كبير أسلوب تلقي الناس للمعلومات واتصالاتهم بالآخرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قد يهمك أيضاً :