سلبيات العولمة في الجانب الثقافي:

         الغرب الرأسمالي هو الذي ابتكر مفهوم العولمة، وهو الذي حدّد لها مضامينها وهويتها، ومكوناتها الفكرية والاقتصادية، وهو الذي يقود حركتها في العالم، ويروّج لهذا المفهوم. وهذا أحد أهم مصادر التوجس والخوف الذي تظهره الأمم والحضارات تجاه قضية العولمة. لأنّ الغرب لا يريد إلاّ أن يرى نفسه وحضارته في هذا العالم، ولازالت نزعة التمركز حول الذات هي التي تشكل عقليته، وإنّ تاريخ علاقاته بالأمم والحضارات كان محبطاً ومروعاً للغاية، حين أظهر سلوكاً استعمارياً متوحشاً، وحول ثقافته إلى ثقافة مهيمنة.
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب في 24/1/1990م: إن القرن العشرين أمريكي ويجب أن يكون القرن الحادي والعشرين أمريكيا أيضاً. ويقول بريجنيسيك في 10/8/1990: ليست هناك سوى قوة عظمى واحدة في العالم، هي الولايات المتحدة الأمريكية وهذه القوة العظمى يجب أن تكون مطلقة وشاملة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. فنحن القوة الوحيدة على جميع الصعد. وقال فرانسوا بايروا وزير التربية والتعليم العالي الفرنسي:"إن هدف العولمة هو تدمير الهويات القومية، والثقافة القومية للشعوب".
إنّ من سلبيات العولمة الثقافية تحويل الثقافة نفسها ومؤسساتها إلى سلعة، وأمام إشاعة ثقافة العولمة ذات الطابع  المؤمرك والمتجهة إلى إقصاء الثقافات الأخرى، من خلال قوتها المالية وقدرتها على الإنتاج والتوزيع، لا من خلال قيمتها الثقافية أو منافستها الثقافية) ونحن المسلمين لسنا بدعا بين الأمم إذا عملنا على تجنب سلبيات للعولمة الثقافية، خاصة وأن لها تأثير ضار على هويتنا وخصوصيتنا الثقافية، فالدول الكبرى تعمل على حماية هويتها الثقافية والمحافظة عليها من تيار المصطلحات والمفاهيم الأجنبية الوافدة من الخارج.
وأهم سلبيات العولمة في الجانب الثقافي هي:
1- ثقافة الاختراق التي تمثلها العولمة: وهي تهدف إلى:-
أ- اختراق البنية الثقافية المحلية، وتفاقم مخاطر الاستلاب والغزو والاستعمار الثقافي، بما يؤدي إلى محو الهوية الحضارية الثقافية للأمة المسلمة، ونزع الخصوصية الشخصية للشعوب المسلمة (التي تتمثل في:الدين واللغة والتاريخ والعادات والتقاليد والأخلاق)، بما تنطوي عليه من الترويج لقيم معينة لحضارة معينة هي الحضارة الغربية.إنّ أخطر ما في العولمة أنًَّها تنشر أفكاراً وسلوكيات من شأنها تحطيم الولاء للقيم التراثية والدينية الأصلية، والولاء للوطن والأمة، وإحلال أفكار وولاءات جديدة محلها.
   "إنَّ العولمة في شكلها الثقافي تهدف إلى إزالة الحدود الدينية والعادات والتقاليد، حتى تكون العقول المستقبلة للمادة الثقافية أكثر انفتاحا وتقبلا لما يأتي من الخارج، دون تفكير أو إعادة نظر بعد أن حطمت كل بوابات المراقبة والنقد، يقوم النظام العالمي الجديد في مشروعه المعولم لكل شيء على اختراق الثقافات الوطنية والثوابت الذاتية، ويعمل على طمس معالم الذات والأصل والشرع، بطرح بدائل هجينة منمقة ومزوقة، بحيث تجلب الأنظار ومن ثمة القلوب والعقول".

ب- التطبيع مع الهيمنة وتكريس الاستتباع الحضاري لأمريكا، ومع التطبيع مع الهيمنة والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري يأتي فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة، وبالتالي إفراغ الهوية الثقافية من كل محتوى. أو إيقاع الأفراد في الدول النامية بين ثقافتين متناقضتين، أي بين نظامه الاجتماعي وبين ما يأتيه من ثقافة عبر الفضائيات والشبكة الدولية للمعلومات من ثقافة مادية متطورة، وإزاء هذا يحصل التشوهات الذهنية والمعرفية والسلوكية عند الأفراد المتلقين للثقافة الوافدة الجديدة، وهذا يؤدي إلى جعل تفكير الفرد تفكيراً ثقافيا ماديا، وجعل سلوكه الاجتماعي يصدر عن تقليد، ودون وعي أو بصيرة.
2- التقليل من قيمة الثقافات المختلفة، وفرض هيمنة ثقافة واحدة، ألا وهي ثقافة القوى المالكة لمراكز توجيه آليات العولمة، وهي الثقافة الأمريكية في الوقت الحاضر. يقول الدكتور علاء الدين زعتري:" ومن الملاحظ أن العولمة تحمل في طياتها مشروعا لأمركة العالم، لأن القيم النفسية والسلوكية والعقائدية الأمريكية هي المهيمنة على هذه العولمة الثقافية".
3- إشاعة الذوق الغربي في الاستهلاك، وفي ممارسة السلوك الاجتماعي مع الآخرين.
4- نشر الثقافة الغربية اللادينية، وفرض الركض- وغالبا بلا وعي- خلف الموضات الاجتماعية الفجّة.

5- حرمان الشعوب المتخلفة من اللحاق بركب التقدم، نظراً لتفشي الأمية فيها والعولمة تقوم على تقنية عالية لا تملكها الكثير من الدول والمجتمعات في الدول النامية والمتخلفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قد يهمك أيضاً :