ما المقصود • المنهج التفكيكي (التفكيكية) ومن هو مؤسسه؟

تجزئة النص محل الدراسة إلى فقرات ، وفصل مكوناته الفكرية واللغوية ، ومن ثم إرجاعها إلى أسبابها وملابساتها ، في ضوء السياق الذي ورد النص فيه ، مع مراعاة عدم الخروج عن إطاره . والمحلل في ذلك كله ينتقل من المركب إلى البسيط ، ومن الكلي إلى الجزئي .
        التفكيكية مثيرة للجدل
يعد التفكيك أهم حركة ما بعد البنيوية في النقد الأدبي ، فضلاً عن كونها الحركة الأكثر إثارة للجدل أيضاً. وربما لا توجد نظرية في مناهج الفكر النقدي أثارت موجات من الإعجاب وخلقت حالة من النفور والامتعاض مثلما فعل التفكيك في السنوات الأخيرة ؛ فمن ناحية نجد أن بعض المفكرين يتحمسون لها على الصعيدين النظري والتطبيقي على الرغم من تباين أسلوبهم وحماسهم، ومن ناحية أخرى نجد أن الكثير من النقاد الذين ينضوون تحت خانة النقد التقليدي يبدون سخطهم من التفكيك الذي يعدونه سخيفاً وشريراً ومدمراً. ولم يخل أي مركز فكري في أوروبا وأمريكا من الجدل في قيمة هذه النظرية حتى الآن.‏
        مؤسس المنهج التفكيكي
يعد (دريدا) الفيلسوف الفرنسي مؤسس التفكيكية ، فقد طرح آراءه في ثلاثة كتب نشرت في سنة 1967م وهي «حول علم القواعد» و «الكتابة والاختلاف»  «والكلام والظواهر» والمفهوم العام لهذه الكتب يدور على نفي التمركز حول الميتافيزيقا المتمثل في الثقافة الغربية  الوسيطة.
        خروج دريدا على الثوابت
إن عمل دريدا عمل مفكِّك ، لكونه قد أعاد النظرَ في المفاهيم التي تأسس عليها الخطاب الغربي الذي لا يعدو أن يكون خطاباً ميتافيزيقياً ، وليس هناك بديل يقدمه دريدا . إنها مغامرة لا يمكن التنبؤ بنتائجها ولكن يمكن معرفة غايتها وهي هدم الميتافيزيقيا ، ولهذا يقود التّفكيك ، هجوماً ضارياً وحرباً شعواء على الميتافيزيقيا في قراءة النّصوص: فلسفيّةً كانت أو غير فلسفيّة. ويُقصد بالميتافيزيقيا التي يستهدفها التّفكيك في هجومه: "كلّ فكرةٍ ثابتةٍ وساكنةٍ مأخوذةٍ من أصولها الموضوعيّة، وشروطها التّاريخيّة".
                              
وإنطلاقاً من خلفتيه الدينية والتي انطلقت منها التفكيكية فإن دريدا ذهب إلى القول بوجود خلخلة في المثالية الدينية المتمثلة في سيطرة اللوغوس / الكلمة في الكتاب المقدس ' وخاصة معنى (الحقيقة) التي يراها نسبية غير مطلقة.
        أسس التفكيكية في قراءة النصوص
1ـ الاختلاف : أي السماح بتعدد التفسيرات انطلاقاً من وصف المعنى بالاستفاضة ، وعدم الخضوع لحالة مستقرة، ويبين (الاختلاف) منزلة النص في قدرته على تزويد القارئ بسيل من الاحتمالات ، وهذا الأمر يدفع القارئ إلى العيش داخل النص ، والقيام بجولات مستمرة لتصيد المعاني الغائبة.
2ـ نقد التمركز:‏ يفرق التفكيكيون بين المركز الذي هو الجزء الحاسم من التركيب النصي ، وهو النقطة التي لا يمكن استبدالها بأي شيء آخر ، والمركز شيء إيجابي لحركة الدلالة والمعنى ، أما التمركز فهو شيءٌ مُفتعل يضفي المركزية على من هو ليس بمركز، ويقود ذلك إلى احتقار المركز واستبداد النموذج الزائف . وتَوجُه دريدا في هذا الإطار كان منصباً على نقد التمركز بوصفه دلالة سلبية، ومدح المركز بوصفه العنصر المشع للدلالة.(ويمكن التمثيل للتمركز بادعاء الكتاب المقدس المركزية للتثليث، وهو لم يذكر في الأناجيل إلا مرة واحدة)
  مثال توضيحي على فكرة التفكيكية
تخيل أن هناك جوهرة سقطت مع الزمن , تراكمت عليها الأوساخ , حتى بدا شكلها الخارجي وكأنه بعر ناقة . لن نعرف أنها كنز إلا بعد إزالة تلك الأوساخ . إذن للضرورة القصوى يجب أن نضرب تلك البعرة بحجر أصم ، فنهشمها حتى تتفتت وتفكك ، حينها فقط قد نرى الكنز.
جاء دريدا يقول: إن النص نفسه قد يكون هو النص الأصلي القديم ولكن أهواء النفوس حرفت معناه , غالباً لسبب ارتزاقي ديني , كما يفعل باباوات الغرب وحاخامات اليهود, أو استبدادي سياسي.
            مواصفات شخصية المحلل
1- قوة الشخصية ، مما يمكنه من التخلص من التقليد ويجعله مستقلا في رأيه .
2- الحياد والموضوعية ، وذلك لأن التحليل يتلون بثقافة المحلل وخلفيته الدينية ، ولذلك لا بد أن يتحلى بالموضوعية على قدر الإمكان .
3- الصبر والاحتمال ، حيث إن المنهج التحليلي يحتاج إلى جهد كبير ومضن في جمع أدواته وفي تطبيقها على حد سواء .
4- سعة الثقافة في مجال النص، لأن المحلل يخرج عن المعاني المباشرة الواردة في النص إلى مناطق أرحب  في المجال.
  عناصر تحليل المحتوى
1- التكميم ، ويقصد به تحويل المعاني إلى أرقام ، ومن ثم اكتشاف دلالة الرقم .
مثال: عدد مرات ذكر التوحيد في القرآن الكريم (مئات المرات) مقارنة بعدد مرات ذكر التثليث في الأناجيل (مرة واحدة)
2- المنهجية ، أي أن يتم ذلك وفق خطوات معروفة ، ولغايات محددة .
3-الموضوعية ، أي الحيادية ، وتجنب الأحكام الذاتية .
        وحدات تحليل المحتوى
1- الحرف.
2- الكلمة .
3- العبارة .
4- الفقرة .
5- الفكرة .
6- الشخصية .
7- الزمان .
8- المكان .
        مميزات المنهج التفكيكي
1- يمكِّن الباحث من التعمق والاندماج في صلب الموضوع .
2- يساعد الباحث على الوصول إلى إجابات عن الأسئلة التي تثار حول النص ، وذلك بفضل قدرة التفكيك على التفسير الذي يزيل الغموض .
3- يظهر الغايات المقصودة من النص بوضوح ودون تزيد على صاحبه .
4- إظهار المعاني الدفينة في النص ، وإجلاء مضامينه على نحو دقيق .
  أهمية المنهج التفكيكي للمناهج الأخرى
يعد المنهج التفكيكي خطوة مهمة لأغلب مناهج التفكير ،  فعملية التفكيك أداة لا غنى عنها في المنهج البنيوي ، وكذلك في المنهج التركيبي ، حيث يركب الباحث ما سبق تفكيكه ، فالتفكيك ـ إذن ـ عمل مساعد ، وليس هدفا في حد ذاته .
      فوائد استخدام المنهج التفكيكي
1- وصف الظروف والممارسات في المجتمع .
2- إبراز الاتجاهات المختلفة .
3- الكشف عن نقاط الضعف .
4- تطوير الأداء .
5- إظهار الفروق في الممارسات .
6- تقويم العلاقات بين الأهداف المرسومة وما يتم تطبيقه .
7- الكشف عن اتجاهات الناس وميولهم .
        عيوب التفكيكية
1- القارئ  يفكك النص وفق آليات تفكيره .
2- يعتمد القارئ على آليات الهدم والبناء من خلال القراءة .
3- يهدم القارئ ويُقوّض المنطق الذي يحكم النّصّ .
4ـ إن التفكيكية منهج في الدراسة النقدية تعتمد ـ في أصلها ـ   على رفض كل ما هو غيبي .
 
 
"المنهج التفكيكي بين النظرية و التطبيق"
التفكيكية منهج نقدي أسسه الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا ( 1930-2004 ) ويهدف من خلاله دراسة النصوص التي غلبت عليها صفة المطلق و المثالية اعتمادا على هذا المنهج التفكيكي الذي لا يعطي اعتبارا للمقدس فيولد من خلاله أشياء كثيرة سكت عنها النقاد القدماء ، وقد طرح آراءه في ثلاثة كتب نشرت في سنة 1967 وهي (حول علم القواعد) و (الكتابة والاختلاف ) و(الكلام والظواهر)
واستند ديريدا في هذا المنهج إلى قطيعة سبق أن أعلنها الفيلسوف نيتشه تجاه الميتافيزيقيا ، وتتجلى التفكيكية في أنها تقوض مفهوم الحقيقة بمعناه الميتافيزيقي كما تقوض الواقع بمعناه الوضعي التجريبي وتحول سؤال الفكر إلى مجالات اللغة والتأويل .
ويعتبر منهج التفكيك deconstruction أهم حركة ما بعد البنيوية في النقد الأدبي إضافة إلى أنها الحركة الأكثر إثارة للجدل في الوقت المعاصر ويستخدم التفكيك (( للدلالة على نمط من قراءة النصوص بنسف ادعاها المتضمن أنها تمتلك أساسا كافيا في النظام اللغوي الذي نستعمله ، كي تُثبت بنيتها ووحدتها ومعانيها المحددة))
و أي مناقشة للتفكيك لابد أن تبدأ بالقارئ ، وتجربة القارئ التي لا يوجد قبل حدوثها شيء " فهو يفكك النص ويعيد بناءه على وفق آليات تفكيره . وهو بذلك يعتمد على آليات الهدم والبناء من خلال القراءة ،و لعل من البديهي لدى القارئ أن مصطلح التفكيك يعتمد على الهرمنيوطيقا الذي يمارس من خلاله تفكيك النص ، فالقارئ " يحدث عنده المعنى ويُحدثه ، ومن دون هذا الدور لا يوجد نص أو لغة أو علامة أو مؤلف.
و يبحث جاك دريدا عن المنطوق أو أفضلية الكلام على الحضور رغبة منه في قلب المعنى وإسقاطه من اللغة .. فهو يرى " إن اللفظ الاستعماري للترجمة أو النسخ خطير ، لكونه خطير يفترض نصاً موجوداً في الآن ، نصاً جامداً ، حضوراً لا انفعالياً لتمثال ، لحجرة مكتوبة أو لوثيقة ..." إن عمل دريدا " عمل مفكك De-constructeur لكونه قد أعاد النظر في المفاهيم التي تأسس عليها الخطاب الغربي الذي لا يعدو أن يكون خطاباً ميتافيزيقياً ، وليس هناك بديل يقدمه دريدا ، بل إن مشروع عمله لا يمكن أن ينحصر في دائرة محددة أنها مغامرة لا يمكن التنبؤ بنتائجها ولكن يمكن معرفة سمعتها ونقصد هدم الميتافيزيقيا .. " ،ولهذا يقود التّفكيك، إذن، هجوماً ضارباً وحرباً عشواء على الميتافيزيقيا في قراءة النّصوص: فلسفيّةً كانت أو غير فلسفيّة. ويُقصد بالميتافيزيقيا التي يستهدفها التّفكيك في هجومه: "كلّ فكرةٍ ثابتةٍ وساكنةٍ مجتثّةٍ من أصولها الموضوعيّة، وشروطها التّاريخيّة"
ويتّصف التّفكيك بطابعٍ سياسيٍّ فضلاً عن كونه إستراتيجية فلسفيّةً لأنّه يتقدّم باتّجاه النّصوص، لا لكي يهدم ويُقوّض المنطق الذي يحكم النّصّ فقط، وإنّما، أيضاً، لكي يفضح الميتافيزيقيا.
و يهدف التّفكيك إلى كسر الثّنائيّات الميتافيزيقيّة: داخل/خارج، دالّ/مدلول، واقع/مثال.... لإقرار حقيقة (المتردّد اللاّيقينيّ) في عبارة (لا هذا.. ولا ذاك). وانطلاقا من خلفيته الدينية والتي انطلقت منها التفكيكة وهي ما دفعته إلى القول بوجود خلخلة في المثالية الدينية المتمثلة في سيطرة اللوغوس / الكلمة في الكتاب المقدس .
إن التفكيكية منهج في الدراسة النقدية تعتمد في منطلق على رفض كل ما غيبي لاهوتي يقول د. غسان السيد : ((لقد جاءت اللّحظة الحداثويّة الأوربيّة التي نقلت الإنسان من واقعٍ إلى واقعٍ آخر مختلفٍ تخلخلت فيه كلّ الثّوابت السّائدة التي جمّدت العقل البشريّ لقرونٍ طويلةٍ. فتشكّل وعيٌ جديدٌ معارضٌ بصورٍ كلّيّةٍ للوعي اللاّهوتيّ الذي أراد توحيد العالم حول مركزٍ عقائديٍّ موحّدٍ يتجسّد فيه المعنى الوحيد للحقيقة التي لا تقبل النّقاش)).
ويمكن الحديث عن أهم المعطيات النقدية التي قدمها دريدا لمشروعه النقدي التفكيكيّ من خلال النقاط الآتية:‏
1ـ الاختلاف :.‏: يشير المصطلح الأول (الاختلاف) إلى السماح بتعدد التفسيرات انطلاقاً من وصف المعنى بالاستفاضة، وعدم الخضوع لحالة مستقرة، ويبين (الاختلاف) منزلة النصية (Textualité) في إمكانيتها تزويد القارئ بسيل من الاحتمالات، وهذا الأمر يدفع القارئ إلى العيش داخل النص، والقيام بجولات مستمرة لتصيد موضوعية المعنى الغائبة.
2-نقد التمركز:‏ Critique of centrait‏ : ويُبين هذا المعطى أن التفكيكية لها إمكانية كبيرة في فحص منظومة الخطاب الفلسفي الغربيّ عبر قرونه الممتدة زمنياً، والمكتسبة لخصوصية معينة في كلّ لحظةٍ من لحظاتها، بوصفها المراحل المتعاقبة للبناء التدريجي للفكر الأوربي الحديث، ويكشف هذا المعطى في الوقت نفسه عن التأمل الفلسفي المتعالي، ويعمل على تعريته، وتمزيق أقنعته بوصفها رواسب حجبت صورة الحقيقة.
3-نظرية اللعب: وتهدف هذه النظرية إلى تمجيد التفكيكية لصيغة (اللعّب الحرّ) اللامتناهي لكتابة ليست منقطعة تماماً عن الإكراهات المغيّبة للحقيقة، وتأكيد المعطى الثقافي للفكر والإدراك، وغياب المعرفة السطحية المباشرة، واستلهام أفق واسع من المرجعيات الفكرية المماثلة، والفلسفية المعقدة، والنظم المخبوءة، وطرائق التحليل الخاصة .
4-علم الكتابة : يعدّ هذا المنهج نقداً لثنائية سيسير (الدال والمدلول)، ورؤيته لدور العلامة وفاعليتها في بناء النص، فالدال عند سيسير هو تشكّل سمعي وبصري، وصورة لحمل الصوت، وقد عدّ دريدا ذلك تمركزاً حول الصوت، وصورة واهمة لحمل المعنى، وقد اقترح دريدا استبدال (العلامة) بمفهوم الأثر (Trace) بوصفه الحامل لسمات الكتابة، ولنشاط الدال، وقد تحولت اللغة وفقاً لذلك من نظام للعلامات ـ كما هي عند سيسير ـ إلى نظام للآثار ـ كما هي عند دريدا ـ وتعين تلك الآثار على ترسيخ مفهوم الكتابة، وتوسيع اختلافات المعنى المُتحصل من نشاط دوالها، لذلك عدّ دريدا علم الكتابة "بأنّه علم للاختلافات"
5-الحضور والغياب: من أهم المرتكزات التي اعتمدها ديريدا لأنّ جميع إجراءات العملية النقدية للتفكيك تخضع لحضور الدوال وتغييب المدلول، فضلاً عن أنّ معطيات (الاختلاف، ونقد التمركز، ونظرية اللعب، والكتابة) تبرز فيها بشكل مباشر ثنائية الحضور والغياب، وقد انطلق دريدا من خلال هذه الثنائية ـ إلى جانب المعطيات السابقة ـ لنقد توجه الخطاب الفلسفيّ الغربيّ، وتقويض أُسسهِ من خلال كشف تناقضاته واللّعب بأنظمته وممارساته، وتحويل معادلته المعرفية من (ميتافيزيقيا الحضور) إلى غياب المعنى واختلافه وتعدده

هناك تعليقان (2):

  1. التفكيكية من اسمها ومراميها هي منهج نقدي هدام لا يؤمن بالمطلق وهذا ما يجعله متصادماً مع الأديان ولا يؤمن بالإبداع وهذا ما يجعله متصادماً مع مختلف الفنون في مذهب تشكيكي تشاؤمي إلى أبعد الحدود ولا يقدم حلاً بديلاً لما قم بتفكيكه بل يترك ركاماً بلا فائدة

    ردحذف
  2. التفكيكية من اسمها ومراميها هي منهج نقدي هدام لا يؤمن بالمطلق وهذا ما يجعله متصادماً مع الأديان ولا يؤمن بالإبداع وهذا ما يجعله متصادماً مع مختلف الفنون في مذهب تشكيكي تشاؤمي إلى أبعد الحدود ولا يقدم حلاً بديلاً لما قم بتفكيكه بل يترك ركاماً بلا فائدة

    ردحذف

قد يهمك أيضاً :