فلسفة فهم الواقع البشري في ظل النتائج الغير دقيقة :

01 – عدم دقة النتائج وصحتها :
 أ – نقد نتائج علم التاريخ :
      تحقيق الموضوعية في الظاهرة التاريخية غير قابل للتحقيق لأن التجرد من العواطف في دراسة التاريخ صعب المنال والأخذ بالمبادرة الشخصية أم ممكن واضطراري لأنه إنسان له مشاعر يشارك بها غيره .الشيء الذي يفتح المجال للاجتهاد الشخصي ، وما لجوء المؤرخ إلى خياله لملأ الفجوات التي تصادفه عند بناء الحادثة التاريخية وترتيبها إلاّ دليل على عدم تحقيق الموضوعية ، لأن العاطفة سوف تتدخل هنا .
بـ - نقد نتائج علم الاجتماع :
  صحيح أن النظر إلى الظاهرة الاجتماعية من الخارج يمكن من الوصل إلى حقيقتها ، لكن ما يعاب على دوركايم هو عدم تمييزه بين الظاهرة الفيزيائية والظاهرة الاجتماعية ، ذلك أنهما ليسا من طبيعة واحدة ، فالظاهرة الشعورية ليست هي نفسها ظاهرة انصهار المعادن ، كما الظاهرة الاجتماعية ليست خاصة .
جـ - نقد نتائج علم النفس :
   رغم الجهود التي بذلها علماء النفس في المجال المنهجي ، لأن النتائج التي توصلوا إليها ليست ثابتة ، كما أن الحادثة النفسية ليست سلوك يتم بطريقة آلية خاضعة لتأثير المنبه ، لأنه شعور لا سلوك ، وهذا الأخير لا يمكن دراسته دراسة كمية قابلة للقياس ، لأنه يُعرَف ولا يُعَرف ويمتاز بالديمومة لا الانفصال .
02 – فهم الظواهر الإنسانية :
أ – فهم التاريخ :   الانشغال بالتاريخ مكننا من 
  -  التفتح على كل العلوم وخاصة العلوم الإنسانية  والاستفادة مبدئيا من المنهج العلمي المستخدم في دراسة الظواهر الطبيعية  وذلك من خلال تكييف الظاهرة التاريخية وخطوات هذا المنهج ، إضافة إلى الاستفادة من العلوم الإنسانية الأخرى في شتى الميادين " النفسية ، الدينية والاقتصادية ... "
  - الفهم العقلاني المناسب للظاهرة التاريخية من خلال عدم الاكتفاء بالدراسة الجزئية بل الإقرار بالمنطق العام الذي يحرك هذه الأحداث .
ب – فهم علم الاجتماع :  الدراسات التي قام بها علماء الاجتماع مكن من ظهور تخصصات في علم الاجتماع منها .
        - علم الاجتماع العام الذي يشمل الدراسة العامة للاجتماع الإنساني ، والبحث في طبيعة هذا الاجتماع وأشكاله وقياس الظاهرة الاجتماعية أو ما يطلق عليها بالدراسات السوسيوميترية
    - علم أصول المدنيات وتطورها وتنضوي تحتها الدراسات التالية : علم الإنسان والأجناس " الأنثروبولوجيا والاتنوغرافيا  " ، علم الاجتماع الثقافي ، والديناميكية الاجتماعية .
   - المورفولوجيا والديمغرافيا ويشتمل على : المورفولوجيا " دراسة المجتمع في تركيبه وطبقاته ونمو مدنه ووظائفها" ، الديموغرافيا أو الدراسات السكانية
   - الفيزيولوجيا الاجتماعية أو علم وظائف الاجتماع وهي تضم : علوم تتعلق بالأسرة والاقتصاد ، وبالسياسة والقانون ، والنفس والأخلاق ، والجمال واللغة والتربية والدين .. إلخ .  
 
تقدم فهمنا في علم النفس :
لقد كان لاتساع مجالات البحث في علم النفس دور كبير في ظهور مدارس وفروع تخصصية ، وهذا نتيجة الدراسات التي قامت بها المدرسة السلوكية ، وأشهر هذه المدارس نجد المدرسة الشكلية أو ما يطلق عليها بالمدرسة الجشطالتية بزعامة كوفكا وكوهلر ، وفيرتهيمر ، والثانية تجسدة في مدرسة التحليل النفسي بزعامة سيغموند فرويد ، أما الثالثة فتتمثل في المدرسة الظواهرية بزعامة هوسرل وكورت لوين .
المدرسة الجشطالتية :" المجال ، الشكل ."
   يقوم هذا المنهج على أساس دراسة السلوك كاملا وبشكله الكلي إذا ما أردنا فهمه ، فينبغي إذن أن نبتعد عن تجزئته إلى أجزاء ودراسة كل جزء على حدة ، لأن أي تغيير في أي جزء سيؤدي إلى تغيير الكائن الحي كله ، ولم تكن هذه النظرية قاصرة على فهم ودراسة سلوك الإنسان فقط ، بل امتدت إلى دراسة الإدراك عند الحيوان ، وأوضحت التجارب التي أجريت أن الحيوان لا يدرك الأشياء كوحدات منفصلة بل يدرك الشيء ككل ، وبعبارة أخرى فهو يدرك الشيء ككل وليس كمجموعة منفصلة التي تترابط مع بعضها فيما بعد .
وهكذا بدأ ينتشر هذا المنهج ويمتد أثره إلى مجالات أخرى ، فامتد إلى مجال التعلم ، إلى الذكاء ، وإلى الشخصية بصورة عامة ،وكما اتضحت أثاره في ميدان التربية تحت اسم طريقة الكلية ، وقد اعتمد هذا المنهج على عدة أسس لتفسير سلوك الإنسان منها :
المجال النفسي : وهو تلك الحقائق الموضوعية التي يعيشها الفرد في حياته اليومية ، أي كما يدركها هو ، لأن لكل فرد ميوله ورغباته وانفعالاته ، واتجاهاته التي تجعله يستجيب لمنبهات البيئة بطريقة لا يشاركه فيها أحد ، أي أنه هناك مجالين يعيش فيهما الإنسان " المجال الطبيعي الجغرافي " وهو الذي يتكون من الحقائق الموضوعية كالمناخ والتضاريس ، "والمجال النفسي " وهو تلك الحقائق النفسية كما يدركها الفرد هو ، ولتوضيح هذا المجال يضرب أحد أقطاب هذا المنهج وهو كوفكا مثالا بسيطا { في إحدى الأمسيات هبت عاصفة ثلجية قوية ، وكان هناك رجل على صهوة جواده يستحثه السير حتى وصل إلى فندق ، فسُرّ الراكب لأنه سيجد ملجأ الذي يحتمي فيه من قسوة البرد والثلج ، ولما استقبله صاحب الفندق سأله من أين أتيت ؟ فأشار إلى الطريق الذي أتى منه ، فخرجت من صاحب الفندق صيحة رعب وتعجب وقال له : أتعرف أن هذا الذي تشير إليه بحيرة كبيرة .... } .
   إذن هناك حقيقة موضوعية " مجال طبيعي " البحيرة ، لكن الراكب لم يكن يعرف هذه الحقيقة ، ولهذا عندما سار الراكب كان يسير فوق مغطى بالثلج كما ظهرت له وكما أدركها ، فهو هاهنا في المجال النفسي .
نفهم من هذا أن سلوك الإنسان تتحكم فيه شروط موضوعية وشروط ذاتية خاصة ، ولا يستطيع فهما إلاّ إذ حللنا تلك العلاقة القائمة بين الشروط الخاصة والعامة.
 نقد :
   يعتبر هذا المنهج ثورة في علم النفس على الديكارتية القائمة بين البدن والشعور ، إلاّ أن هذا المنهج أحدي التفسير يقول بقانون واحد عام وشامل يفسر وحده كل شيء ، كما أنه أعطى الأهمية الكبرى للعوامل الموضوعية على العوامل الذاتية ، وكأن الإدراك يكون محصلة من نتائجها .
02 – منهج التحليل النفسي :
 يختلف هذا المنهج عن غيره من المناهج في الأسلوب المستخدم في الوصول إلى البيانات والمعلومات التي يتضمنها هذا المنهج ، حيث رفض اقتصار علماء النفس في دراساتهم على الشعور كما أنكر على السلوكيين نظرتهم الآلية ن ونادى بأن النفس البشرية تشبه جبلا من الجليد يطفو فوق سطح الماء ، وينبغي أن نهتم بدراسة ذلك الجزء المختفي تحت الماء ،وأسمى ذلك الجز الأكبر اللاشعور ، وكان فرويد أول من أثار الانتباه إلى ذلك الجزء اللاشعوري من النفس البشرية مؤكد على دوره الفعال في السلوك البشري ، وهنا لنا أن نتساءل كيف يمكن تفسير سلوك الفرد برده إلى اللاشعور ؟ . استعمل فرويد هنا طريقة أطلق عليها طريقة التحليل النفسي ، وهو طريقة استكشاف عمليات اللاشعور في النفس الإنسانية ووسيلة علاجية لبعض أنواع العصاب والذهان ، فاستخدم ثلاث طرق لكشف محتويات اللاشعور.
أ – طريقة التداعي الحر :
  وفيها يطلب المحلل النفسي من الزبون " المريض " أن يذكر سائر ما يرد على خاطره دون رقابة ن ولا اختيار وخجل عندما يلقى إليه بكلمة ، فعليه أن يطلق لنفسه العنان ، وأن يتكلم دون رقابة وكما يحلو له ن وهنا يقف المحلل على تعابير قصد الوصول إلى لا شعور المريض ، فيضع المرض أمامه المكبوتات من حاجات ورغبات دفينة ن ولما يبرزها تنحل عقدته ويعود إليه توازنه ، وتسمى هذه الطريقة التداعي الحر .
ب – طريقة الأحلام :
 يطلق فرويد على الحلم الطريق الملكي الذي تسير عليه الرغبات والمكبوتات ، لأن الفرد أثناء النوم تخف سلطة الرقيب " الشعور " وتختفي قوة الأنا الأعلى " القيم الاجتماعية " فيعود الإنسان إلى خفايا اللاشعور ، وعمل المحلل النفسي يكمن في تحليل هذه الرموز ومعرفة دلالاتها ، ومن السهل عليه أن يجد في لغة الناس وعاداتهم وتقاليدهم مناسبات لتلك الرموز ومعانيها ، ومثالنا على ذلك :
رأت " ب " في المنام أختها " ج" تدخل تابوتا وتبقى فيه .
 أظهر التحليل النفسي أن التفسير هو : " ب " كانت تكره أخنها ، ومن هنا كانت الرغبة اللاشعورية والمكبوتة في أن تراها ميتة موت " ج" ، إذن تحقيق رغبة " ب " والتابوت رمز للموت .
ج – طريقة الأفعال المغلوطة :
   يكون المريض في ارتياح ، فيتمدد على مقعد وثير ، بينما يقف المحلل وراءه حتى لا يشد إليه انتباه المريض ، يداوم المحلل وهو يستمع إلى ملاحظات سلوك المريض كي يتبيّن إن كانت حركاته موافقة أو غير موافقة للموقف الذي يتحدث عنه ، والأفعال المغلوطة متنوعة منها : النسيان ، زلات القلم ،  زلات اللسان ،هذه الانحرافات في الحياة اليومية تظهر صراع الرغبات والميول مع القوة الضاغطة عليها ، ويورد فرويد مثالا عن زلات اللسان " أن رئيس جلسة لم يكن يتوقع لها النجاح وكان يود ألاّ تفتح ، قال هذا الرئيس : أعلن عن رفع الجلسة بدلا عن أعلن عن افتتاح الجلسة ، وهذا دليل لاشعوري عن الرغبة فيها .
 النقد :
  هذا المنهج ركز على الجانب اللاشعوري وأعطى له أهمية كبرى ، وجعل منه أساسا الحياة اللاشعورية ، لكن التأكيد على ذلك فيه نفي لخاصية إنسانية أكيدة وهي العقل أو الوعي ، وكأن الإنسان حسب فرويد حيوان ، كما أن هذا التفسير غير علمي .
ج- المدرسة الظواهرية :
 تؤكد هذه المدرسة على أن الدراسات النفسية يجب أن تتصف بالشمولية ، باعتبار الحادثة النفسية كلا متكاملا غير قابل للتمييز بين مؤثراته الباطنية و العوامل الخارجية ، لأنه لا وجود لشعور خالص ، وأن كل شعور هو شعور بشيء.
قيمة العلوم الإنسانية :
   إن هذا الازدهار الذي حققته العلوم الإنسانية في مجالات متنوعة استطاعت به إخراج الفكر الإنساني من الخرافة والأساطير التي كانت تكسوه ، وفهم الظاهرة التي يشتغل فيها بالدراسة ، وإذا ما تم فهمه لها والعوامل المؤثرة استطاع عندئذ أن يوجه فكره في الطريق النافع . فعلم التاريخ مكننا من فهم  الأحوال الماضية للناس في حياتهم المدنية والأخلاقية ، وسياستهم وديانتهم ن وأساليبهم في الإنتاج والتجارة ، ومعرفة التاريخ تعد من أرقى وسائل التكوين الثقافي ، إلاّ أنه تجب الإشارة إلى أن معرفة التاريخ أو الماضي لعب دورا في زيادة الأحقاد والضغائن ، إلاّ أن فهم التاريخ يعتبر بمثابة المحافظة على الهوية الإنسانية ، وأصل الفرد وسلسلته المترابطة ، الشيء الذي جعل التاريخ الدعامة والمقوم الأساسي للفرد ويحميه من الذوبان في الغير .
أم علم الاجتماع :  فمكن الفرد من الرقي وتكوينه الذاتي ، والتعارف مع غيره من الشعوب .
علم النفس : مكن الفرد من فهم مختلف جوانبه النفسية شعورية كانت أو لاشعورية ، من منطلق الملاحظة والتحليل . 

هناك تعليق واحد:

قد يهمك أيضاً :