العنف لدى الأطفال في المدارس : أسبابه وطرق علاجه

أسباب العنف
يذكر المختصين في التربية أن أبرز أسباب وقوع الأطفال ضحايا للعنف إلى عوامل عدة لعل أبرزها تغير نمط الحياة. فوسائل الرفاهية الزائدة التي أصبح الأهل يوفرونها للطفل بسخاء، لا سيما اذا عاش الاب أو الام حرماناً في فترة من فترات حياتهما. وهذه الرفاهية المقرونة بالحماية المبالغ بها قد تضر بمناعة الطفل النفسية وصلابة شخصيته وتحد من قدرته على مواجهة الحياة وظروفها المختلفة.
ويضيف الاختصاصيون ان أسلوب الحياة الحالي يحول الطفل الى كائن هش مقارنة بالماضي ، حيث كان يخرج في الشارع مع أقرانه أو في المناطق الريفية ليلعب ويركض ، الأمر الذي يمنحه قوة بدنية وقدرة على مواجهة المجهول في المدرسة. كذلك تساهم الرعاية الزائدة والسعي لتجنيبه الالم في تحويله الى كائن اتكالي عاجز عن الشعور بمسؤوليته لحماية نفسه ومواجهة مشاكل الحياة. ويزيد الأمر سوءاً إذا كانت السلطة الابوية غائبة عن المنزل، سواء بسبب سفر الوالد، حيث الحالة شائعة في فلسطين نتيجة ظاهرة الاغتراب للعمل بسبب ضيق الموارد الاقتصادية، أو لأن الوالد عاجز أو مريض أو ضعيف أو عاطل عن العمل. وغياب هذه السلطة يؤدي الى احساس الطفل بنقص في بنيته النفسية واستقراره، فيسهل على رفاقه الايقاع به واستخدامه كضحية لفرض تسلطهم وسطوتهم على غيره.
ولكن من يرتكب العنف تجاه هذه النماذج الطفولية ؟ قد يأتي الولد الوحيد والمدلل على رأس القائمة لأنه تعود تأمين متطلباته كافة بشكل مبالغ فيه، بحيث يتحول الى كائن اناني بشع ولا يتورع عن اذية رفاقه من دون اي شعور بالذنب أو الندم. فهو يعتبر ان كل شيء مباح له ومسموح به وهو دائماً على حق، لا سيما عندما يرتكب الأخطاء ويجد من يبررها له ويلبي رغباته في الحصول على كل شيء مهما كانت الوسيلة.
كذلك يلاحظ في البلاد العربية، كما في غيرها من دول العالم الثالث، أن الاولاد الذين وصلوا الى مناصب عالية بالواسطة والقوة وامتلكوا نفوذاً من دون كفاءة أو تدريب، يتصرفون في المدرسة والشارع كما يتصرف اهلهم ويستبيحون كل شيء ولا يقبلون اية ملاحظة أو معاملة بالمثل من رفاقهم، متكئين على سلطة اهلهم.
كذلك يشكل التلميذ الفاشل في دراسته نموذجاً للعنف، ذلك ان التقصير المدرسي يؤدي غالباً الى احتمالات ثلاثة، أولها الهروب الى اللامبالاة وتهميش الحضور. وثانيها الخضوع لوضعه ككسول وضعيف. والثالثة اللجوء الى العنف والمشاغبة ليلحق الأذى بالتلميذ الهادىء والمجتهد. وفي هذه الحالة ينبغي للأهل وللمدرسة متابعة وضعه لأنه يعاني من اضطرابات نفسية يمكن معالجتها قبل ان تتحول الى امراض مستعصية تنسف مسيرته الدراسية، وتعزز وضعاً يستحيل تقويمه في مراحل الدراسة الثانية. والاستهانة بالعنف المتبادل بين الاطفال تؤدي الى نهايات خطيرة، في بعض الاحيان، فقد سجلت حالات انتحار طفولية نتيجة هذه الظاهرة في عدد من البلدان، كما شملت انحرافات نفسية وسلوكية خطيرة.
علاج ظاهرة العنف
اما عن كيفية المعالجة، فالاساليب متنوعة. اولاً ينصح الاختصاصيون بمعرفة وضع الطفل الذي يقبل بالتحول الى ضحية عنف، كذلك معرفة وضع الطفل العنيف الذي يفتري على رفاقه، وذلك من خلال دراسة متأنية لأوضاع النموذجين والاطلاع على الماضي والحاضر وعلى المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للبيئة، حيث يعيش كل منهما لضبط مؤشرات كل ما يتعلق بهما في مسقبله.
واللافت ان علاج الحالتين يتشابه ويتقاطع، ويتطلب تنمية مواهب الطفل ليشعر بقيمته ويطرح وجوده بشكل مغاير في محيطه من خلال مساعدته على التأقلم والتخلص من الشعور بالنبذ أو القبول بالتخلي عن صفات «السلطة» و«القوة» و«الترهيب» التي تصنع له هالته. ومساعدته في هذا الاطار ليعبر عن نفسه ويقدمها بشكل جيد يزيد من رصيده ويشجعه على الاستمرار وينتشله من الشعور باللامبالاة والهروب الى وسائل تضره وتضر غيره. ومن هذه الوسائل اكتشاف مواهبه الفنية أو الرياضية أو الفكرية واشراكه في نشاطات المدرسة خلال المعارض والمباريات وما شابه.
ويشير الاختصاصيون الى ندرة وجود طفل من دون مواهب، لكن المهم هو اكتشافها واقناعه بأهميته من خلالها لتأطير طاقاته بشكل مثمر. كذلك يحاول بعض الاختصاصيين معالجة العنف بعنف اقوى يسلط على الولد، فيقمعه ويعرّفه عن كثب الى فظاعة ما يرتكبه، قد يكون مصدره الأهل أو المدرسة. وهما عنصران كفيلان بإفهامه ان إلحاق الأذى بمن هو في عمره أو اصغر أمر غير مقبول.
ومع ذلك يتفق التربويون على الخطوط العريضة مع هذه الحالات العدوانية، وتتمثل في السعي الى جعل الفصل الدراسي ملاذاً آمناً، من طريق تحقيق مجموعة من الأهداف، أبرزها أن يوضح للطالب أن النظام المدرسي لا يتسامح مع أي سلوك عدواني، اضافة الى مساعدة الطفل العنيف على تبني أساليب أكثر قبولاً في التعامل مع زملائه، وفي حل المنازعات بينهم، إلى جانب تجنب القسوة معه أو اهانته، لأن التأديب بهذا الشكل يزيد من حدة توتره واصراره على مواصلة العدوانية والعنف.
وينصح مرشدون اجتماعيون بأن تعالج حالة كل طالب بمعزل عن الآخر، عبر معرفة الظروف المحيطة به، والتقليل من حدتها عليه، والحوار معه بشكل منفرد، ويطلب المساعدة من والديه، عبر تحسين أجواء المنزل، وعدم تعريضه لمشاهد العنف داخل الأسرة أو المعروضة على شاشة التلفزيون. ويشددون على أن تعبير المحيطين بالطفل عن محبتهم له، واشعاره بأن رفضهم موجه لتصرفاته غير الصحيحة، وليس إليه شخصياً، كفيل دائماً بجعله يتخطى سلوكه الخاطىء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قد يهمك أيضاً :