التنبؤ بين علم الاجتماع والعلوم الطبيعة

حينما أطلق أوجست كنت على علم الاجتماع اسم علم الفيزياء الاجتماعية ظهرت أصوات معارضة لهذا التوجه ومن وجهة نظر معارضي أوغست كانت أن العلوم الطبيعية ذات قوانين محددة تتمم بالتجربة وليست آراء أو قياس اتجاهات وما إلى ذلك فيحين نقول عن علم الاجتماع إنه نسق نظري، فقصدنا أن غايته تفسير الحوادث والتنبؤ بها بواسطة النظريات أو القوانين الكلية (التي يحاول اكتشافها). وحين نصف علم الاجتماع بأنه تجريبي فمعنى ذلك أن له سنداً من التجربة، وان الحوادث التي يفسرها ويتنبأ بها هي وقائع تمكن ملاحظتها، وان الملاحظة هي الأساس الذي نعتمد عليه في قبولنا أو رفضنا لأية نظرية من نظرياته. ونحن حين نتكلم عن النجاح الذي أحرزه علم الطبيعة، فالمقصود بذلك نجاح تنبؤاته: ويمكن القول إن نجاح التنبؤات في هذا العلم قائم في تأييد التجربة لقوانينه. وحين نعارض بين النجاح النسبي في علم الاجتماع ونجاح العلوم الطبيعية، فنحن نفترض أن نجاح علم الاجتماع ينبغي هو الآخر أن يقوم في أساسه على تأييد التجربة لتنبؤاته

ويلزم عن ذلك أن التنبؤ بواسطة القوانين واختبار القوانين بالتجربة، يجب أن يكونا قاسما مشتركا بين علم الاجتماع وعلم الطبيعة يندرج المجال الإشكالي للنص ضمن مجال المعرفة ،أي محاولة الإنسان الدءوب لمعرفة العالم الطبيعي والإنساني ، فإذا كان المجال الأول استطع العلماء فهممه و تحليله و الوصول إلى نتائج بصدده، فان مجال الإنسان قد خلق نقاشا ابستمولوجيا عميقا تمخض عنه انبثاق العلوم الإنسانية،وهي لحظة تحررها من الفلسفة، في سياق اجتماعي خلال القرن التاسع عشر، ومن هنا كان طموح هذه العلوم هو تطبيق النموذج العلمي في دراسة الإنسان نظرا للنجاح الذي حققته في دراسة مواضعها . ومن هنا كان ميلاد علم الاجتماع، كعلم يعنى بدراسة العلاقات و الظواهر الاجتماعية وذلك من خلال اعتبار الوقائع الاجتماعية كأشياء، أي باعتبارها خاضعة لمبدأ النظام و الحتمية كما هو الحال في العلوم الطبيعية، ومن تم فهي وقائع تنطوي على معقولية. لكن السؤال المطروح ضمن هذا التحديد وارتباطا بالنص الذي بين أيدينا، هل يمكن صياغة خطاب علمي حول الإنسان، وبالتالي التنبؤ بسلوكه و الوصول إلى قوانين عامة حوله؟ إلى اى حد يمكن أن تكون مناهج العلم الطبيعي صالحة و نموذج لتفسير الظواهر الاجتماعية؟ ايضا  بأي معنى نتحدث عن موضوعية في ظل وضع يكون الدارس  فيه طرف في الظاهرة المدروسة؟
إن الفكرة الرئيسية التي يصدر عنها النص تتمثل في نموذجية العلوم التجريبية للعلوم الاجتماعية (علم الاجتماع) ، اى بتعبير أخر ينبغي أن يكون التنبؤ بواسطة القوانين و اختبار القوانين بالتجربة قاسم مشترك بين علم الاجتماع و علم الطبيعة. و من هنا تكون الظاهرة الاجتماعية شبيهة بالظاهرة الطبيعية، و ذلك لجعل الظواهر الاجتماعية خاضعة للدراسة و التحليل و التفسير و التنبؤ بالنتائج و التحقق من صدقها عبر التجربة ، للوصول إلى نتائج دقيقة و موضوعية للعلاقات الاجتماعية و القوانين المتحكمة فيها.
إن الأساس الذي يستند إليه صاحب النص في أتبات أطروحته  يتمثل في القول بان علم الاجتماع نسق نظري ي يعني أن غايته تفسير الظواهر الاجتماعية و التنبؤ بها أي كشف موضوعي للعلاقات السببية القائمة ين الظواهر الاجتماعية. ايضا وصف علم الاجتماع بأنه علم تجريبي يعني أن الملاحظة و التجربة هما الأساس  في قبول النظرية.
و يرجع صاح النص نجاح علم الطبيعة في تنبؤاته قائم في تأييد التجربة لقوانينه، لهذا يرى إن نجاح علم الاجتماع يفترض نموذجية العلوم الطبيعية ، و من ثمة جعل علم الاجتماع علما خاضع لقوانين و مناهج و نظريات علمية لتفسير السلوك الإنساني و التنبؤ به.
هكذا نستنتج مما سبق إن صاحب النص يؤكد ضرورة تطبيق المنهج التجريبي في العلوم الاجتماعية لتحقيق النجاح الذي حققه العلم الطبيعي في دراسته للظواهر الطبيعية.
لكن السؤال المطروح في خضم ما ذهب إليه صاحب النص وهو السؤال الأساسي من وجهة نظري : إلى أي حد يمكن تطبيق المنهج التجريبي في العلوم الاجتماعية ؟ ألا تطرح عوائق ابستمولوجيا (ابستمولوجيا = فرع من فروع الفلسفة تهتم بطبيعة مجال المعرفةعندما نكون أمام السلوك الإنساني الذي يتميز بالوعي ؟
ايضا كيف نتحدث عن موضوعية في ظل صعوبة عزل الذات عن الموضوع في مثل هذه الدراسة ؟
إذا كان  صاحب النص يدعونا إلى استلهام   الملاحظة و التجريب الدقيق  من العلم الطبيعي النسبة للعلوم الاجتماعية فإننا نجد الشئ نفسه عند المؤسسين الكبار للسوسيولوجا ،  فهذا وجست كونت يعتبر أن التجربة و الاختبار هما أساس المعرفة الحقة و يعتبر العلوم التجريبية مصدر اليقين و في نفس الإطار يتحدث إميل دوركهيم حينما يؤكد أن القاعدة التي ننطلق منها لا تفترض أي تصور ميتافيزيقي ولا تتضمن أي نظر تأملي في كنه الموجودات  
"إن ما نتطلبه هو أن يضع عالم الاجتماع نفسه في وضع فكري شبيه بالوضع الذي يكون عليه الفيزيائي أو الكيميائي " بل ينبغي اعتبار الوقائع الاجتماعية كشيء أي كما لو أنها لها خصائص الشيء  ، لهذا نجد دوركايم يعتبر إن ملاحظة وتفسير الظواهر ينبغي أن تكون شبيهة بالطريقة التي نلاحظ و نفسر بها وقائع كل العلوم الأخرى.
لكن إذا استطعت السوسيولوجيا تقليد النموذج التجريبي فإنها اصطدمت بخصوصية الظاهرة الاجتماعية المتميزة بفرادتها و تعدد أبعادها، و يأتي على رأسها بعد الحرية الذي يعتبر نقيض للحتمية، لهذا و ضمن هذا التحديد نجد مجموعة من العوائق تحول دون نجاح مناهج العلوم بالنسبة لعلم الاجتماع ، قد نسجل في هذا الصدد صعوبة تحقيق الموضوعية لان مسالة الملاحظ والملاحظ في العلوم الطبيعية ليس هي نفسها في  العلوم الاجتماعية حيث يتدخل وعي الفاعلين ، و في هذا الإطار يقول ليفي شتراوس " أن الوعي هو بمثابة العدو الخفي لعلوم الإنسان " اى وعي الناس الذين يخضعون للتجربة حيث عندما لا يتصرفون بعفوية يغيرون من مسار التجربة  و من تمة النتائج ، أيضا مسالة القطيعة ففي غالب الأحيان الباحث القطع مع الأفكار المسبقة التي يحملها على الظواهر مما يجعل الايدولوجيا تتسرب إلى النتائج ، وفي نفس الإطار يقول مالينوفسكي على أن الخيوط التي تشد بها العلوم الإنسانية إلى العلوم الدقيقة قد أضرتها أكثر منها نفعتها ، و في جانب أخر نجد بوبر ينتقد الحتمية التاريخية كما تتجلى في العلوم الاجتماعية ، كما يؤكد أن بعض مناهج العلوم الطبيعية لا يمكن تطبيقها على اللوم الاجتماعية لم يوجد من فوارق عميقة  بين علم الاجتماع وعلم الطبيعة.
هكذا إذن فإذا كان صاحب النص يؤكد على نموذجية العلوم الطبيعية بالنسبة للعلوم الاجتماعية(علم الاجتماع) من أجل تحقيق النجاح  في التنبؤات والنتائج وكما دعا إلى ذلك   كل من كونت ودركهايم  إلا أن هناك مقاربات تقول بصعوبة هذا التقليد نظرا لخصوصيات الظاهرة الاجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قد يهمك أيضاً :

  • التعريف بصعوبات التعلم
  • كيف نستعد لمواجهة الكوارث الطبيعية
  • لماذا تكون إطارات السيارات دائماً سوداء اللون ؟ Why is always for cars tires as a black color ?
  • سلبيات العولمة في الجانب الثقافي:
  • LOVE .... !!