تأثيرات العولمة على قيم الشباب (مخاطر العولمة على القيم) :



 يشكل الشباب فئة متميزة فى أى مجتمع, بل هم أكثر فئات المجتمع حركة ونشاطاً ,ومصدراً من مصادر التغيير الاجتماعى ، كما تتصف هذه الفئة بالإنتاج والعطاء والإبداع فى كافة المجالات، فهم المؤهلون للنهوض بمسئوليات بناء المجتمع .
         وتعد القيم هي الضابط والمعيار الأساسى للسلوك الفردى والاجتماعى، ولا يمكن تحديد الأهداف التربوية لتكون معبرة عن طبيعة الإنسان وطبيعة المجتمع إلا عن طريق القيم, الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى المسئولية المشتركة فى تعميق القيم وتنميتها لدى الشباب، عن طريق التخطيط والتنسيق بين كافة مؤسسات المجتمع، لكى لا تكرر مؤسسة أو هيئة ما تفعله المؤسسات الأخرى.
         كما ترتب قيم الفرد أو المجتمع تبعاً لأفضليتها ومستوى أهميتها وتقديرها، بحيث تسبق القيمة الأعظم أهمية, ثم التى تليها،أي ترتيب هذه القيم لدي الشباب طبقا لأولويتها لديهم وبالتالى تأتى الثقافة الخاصة بالشباب فى الوقت الحالى كاستجابة لمتغيرات محلية وعالمية, وذلك برفض القيم السائدة عبر أشكال وصور بديلة للتعبير الثقافى، وهو ما يمثل استجابة لمطالب من ينتمى إليها، فالخروج من ثقافة والركون لأخرى يؤدى بالشباب للثورة على المعايير والقيم السائدة ومحاولة للاستقلال عن سلطة ونمط حياة المجتمع، لخلق نوع خاص من اللغة والقيم والتصرفات والسلوكيات وهو ما يطلق عليه الصراع الثقافى .
         ويشهد الواقع الاجتماعى– حالياً – مشكلات شبابية حادة تتخذ صوراً مختلفة من حيث مضمونها وحدتها, خاصة اهتزاز القيم واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية، الأمر الذى يتمثل بوضوح فى تزايد ألوان الانحراف، وانتشار صور من السلوك لم تكن مألوفة من قبل مما يهدد الأمن والاستقرار الاجتماعيين .
         ومن أبرز ألوان هذا الانحراف هو العنف الطلابى أو السلوكيات العدوانية التى يقوم بها الطلاب داخل المؤسسات التعليمية, أو على مقربة منها, فتشير تقارير مركز بحوث الشرطة إلى أن عدد الأحداث الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15-18، ويدخل ضمنهم بعض من طلاب الجامعات الذين صدرت ضدهم أحكام قد تزايد من حوالى 1056 عام 1991 إلى 2083 عام 1998, أى تضاعف النسبة خلال سبعة أعوام, كما أن جرائم الطلبة قد زادت خلال عام 1998 مقارنة بعام 1997 بنسبة 60%، وتزايد حجم الجرائم الجنائية حيث أصبحت تمثل 40% من جرائم الطلبة .
         اٍن الحفاظ على الهوية القومية مهمة صعبة، وتحتاج إلى تكامل الجهود بين جميع مؤسسات المجتمع،خاصة في وجود التحديات العالمية المعاصرة المتمثلة في ثورة المعلومات  ,والقنوات الفضائية المفتوحة والعولمة والتكتلات الاقتصادية, ويؤكد ذلك ما أوضحه "شيلر"  بقوله : "إن التلاعب بعقول الناشئة يتم بطرق شتى، وإن كل ما يبث إعلامياً يحمل قيمة معينة يراد لها الشيوع، وإن ذلك يتم تحت ستار الموضوعية أو الحياد أو مجرد التسلية" (3),ولذلك فإن تنمية القيم تعتبر ضرورة قومية ,خاصة بين شباب الجامعة، وذلك مرهون بتحريرهم فكرياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً من المعوقات التى تحول دون تنمية القيم لديهم, والجامعة هي المنوطة بتربية الشباب حتي يصبحوا مواطنين مكتملى المواطنة، وهذا يتطلب ضرورة تعميق قيم الانتماء والولاء للوطن، وتدعيم الإحساس بالانضباط ومراعاة الجدية فى السلوك .
             مما سبق يتضح أهمية القدوة الصالحة لشباب الجامعة, لأن انهيار النموذج الأخلاقى فى شكل الأسوة الحسنة قد يحمل فى طياته ارتياباً فى قيمة الأخلاق نفسها، فلا يلبث بعض الشباب المخدوع أن يقع فريسة للصراع النفسى لفقده الاٍيمان بالقيم .
وقد تناولت بعض الدراسات العلمية القيم لدى طلاب الجامعة، فانتهت دراسة عبد الرحيم الرفاعى بكرة إلى تقديم مقياس للقيم يتفق والتصور الإسلامى، وإلقاء الضوء على بعض القيم السلبية, مثل التواكل وعدم الانتماء والانتهازية، وعدم تحمل المسئولية، واستباحة المال العام .
كما هدفت دراسة كاظم إلى التعرف على التطورات القيمية لطلاب التعليم الجامعى والعالى فى الفترة من 1975 – 1967، ومما توصلت اٍليه أن قيم الأفراد والمجتمع تتغير, ولكن تغييرها لا يسير وفق تخطيط هادف ومقصود، وإنما يحدث على أسس تلقائية .
         واشارت دراسة ملك حلمي التي تناولت القيم المعاصرة لدي شباب جامعة حلوان اٍلي عدة نتائج, أهمها ارتفاع بعض القيم لدى الشباب, مثل قيمة حب الوطن والشعور بالانتماء وتقدير العمل العام، وضعف بعض القيم الأخرى ,مثل المثابرة والاندماج فى الجامعة، والوعى الاجتماعى، والقيادة والخدمة العامة، والعمل بالمدن الجديدة، والأعمال الحرفية، والوعى السياسى.
         وأما دراسة يوسف محمود فتوصلت  إلى عدةنتائج أهمها : أن هناك عوامل داخلية وخارجية تعوق الجامعة عن أداء دورها المنشود فى تنمية القيم العلمية، منها الإجراءات الإدارية التى تتخذ بمنأى عن الطلاب.
         وتوصلت دراسة وليد وجبريل إلى أن قيمة التدين والعمل ليوم الآخرة قد احتلت المرتبة الأولى فى هرم القيم الغائية، بينما احتلت قيمة التضحية المرتبة الأولى فى هرم القيم الوسيلية.
         وعن العولمة وصراع القيم توصلت دراسة عمرو عبد الكريم إلى وجود مجتمعين داخل المجتمع المصرى "محافظ", ومحدث, والصراع بينهما, انتهي بسيطرة النمط الثقافي للمجتمع المحدث, لاستناده لمستجدات العولمة وتكريس قيم الفردية,والتسليم بأن كل ما يحيط بالبشر ما هو إلا مواد خام للاستهلاك الإنسانى الذى تكرس، وأصبح فى إطار هذا النمط قيمة فى حد ذاته .
         أما دراسة أحلام رجب عبد الفتاح فتوصلت اٍلي عدة نتائج منها : عدم وجود تشابه بين قيم الطلاب وبين أعضاء هيئة التدريس، ولكن اختلفت القيم بين الطلاب باختلاف تخصصاتهم .
         وهدفت دراسة رونالد وباول رصد التحول القيمى على مدى عقدين من الزمان 1981– 1991، ، وقد أظهرت الدراسة تحولاً عن القيم المادية المرتكزة على تحقيق الأمن الجسدى والاقتصادى, إلى التركيز على قيم الحرية، والتعبير عن الذات، وعلى نوعية الحياة المعيشية, مما سماه الباحثان "القيم ما بعد المادية" .
         أما دراسة حمد فالح الرشيد فانتهت إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية فى القيم التربوية بين طلاب كلية تربية الكويت طبقا للتخصص, ووجود فروق دالة إحصائياً لصالح ذوى الأعمار الأكبر، وعدم وجود فروق دالة إحصائياً طبقاً لمتغير الجنس .
         وأظهرت دراسة امطانيوس وجود فروق دالة فى القيم النظرية لصالح الذكور، أما بالنسبة للقيم الجمالية والدينية فأظهرت فروقا دالة لصالح الإناث.

         صار من المؤكد أن للعولمة تأثيراتها الفعالة على المجتمعات المعاصرة ,سواء المتقدم منهاأوالنامي، وتمثلت أبرز تأثيرات العولمة فى الجانب الاجتماعى, الذى تمثل فى محاولة تكوين شخصية معولمة, تصير طبقاً لنظام عالمى تحكمه قوة طاغية مسيطرة،، إذ سعت العولمة إلى محاولة القضاء على الإرث الإنسانى المقدس بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، وذلك من خلال العمل على تعميم القيم الغربية, وخاصة الأمريكية ,وذوبان الحضارات غير الغربية فى النموذج الحضارى الغربى، بل وتعميم السياسات المتعلقة بالطفل والمرأة والأسرة، والتظاهر بالحفاظ على حقوقهم، ولكنها فى الحقيقة تعمل على تفكيك الأسرة ,واستلاب وعى الأفراد واقتلاع الجذور التى تربط الفرد بعائلته ووطنه وبيئته، واستغلال المرأة فى الإثارة والإشباع الجنسى وإشاعة الفاحشة فى المجتمع، وخير مثال على نموذج لعولمة القيم الغربية والأمريكية هو صياغة تلك القيم الغربية فى مواثيق ثم عولمتها باسم الأمم المتحدة، وذلك مثلما حدث فى وثيقة برنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية الذى عقد بالقاهرة فى شهر سبتمبر 1994، وفى بكين على 1995 وفى  أسطنبول عام 1996 .
         أما أبرز تأثيرات العولمة الاقتصادية فتمثلت فى تحويل المجتمعات النامية والتى منها الدول العربية إلى دول مستهلكة وليست منتجة ,وذلك عن طريق عقد الاتفاقيات العالمية، كاتفاقية الجات ، كما أدى الانفتاح فى استيراد المنتجات الغربية المادية وما يتبعها من أنماط ثقافية إلى تكوين أنماط سلوكية استهلاكية، وبالتالى سيطرة القيم الاستهلاكية على حساب قيم العمل المنتج لدى الأفراد، وبالتالى مقاومة أى حركة للتغيير الاجتماعى.
          ومن الثابت أن هناك جانبين للقيم : قيم المحور المتمثلة فى القيم الدينية بما يشتمل عليه من قيم وميراث ثقافى وحضارى, وتعتبر ثوابت مميزة لهوية المجتمع العربى والإسلامى فلا يعتريها أى تغيير، أما الجانب الثانى فيتمثل فى قيم التفاعل الحضارى والعمل والإنجاز, وهى قيم وسيليه يعتريها التغيير طبقاً لمستجدات العصر، ومن هنا تتمثل خطورة العولمة فى محاولة التأثير على قيم المحور، وذلك من خلال نشر الفكر الغربى الذى يعمل على تغيير تلك القيم الثابتة ومحاولة إقناع أن الذى يتمسك بقيمه إنما يتعارض مع التقدم العلمى والفكرى ونهضة العقل، الأمر الذى أدى إلى تفاقم الشعور بالاغتراب لدى الشباب، ووقوعهم فى أزمة حضارية وفى صراع, لأنهم يحيون ويعيشون بين "ثقافتين متعارضتين فى وقت واحد، إحداهما خارج النفس والأخرى مدسوسة فى ثناياها، فترى حضارة العصر فى البيوت والشوارع، بينما تجد حضارة الماضى رابطة خلف الضلوع، لدرجة أن هؤلاء الشباب من شدة تعلقهم بالحضارات الغربية والحلم بالعيش فى محيطها صاروا "يعانون حالة من الاغتراب الثقافى، فهم وإن كانوا يعيشون على أرضنا إلا أن وجداناتهم وعقولهم مهاجرة مغتربة قيمياً وفكرياً .
         كما أنه فى ظل تأثيرات العولمة صار الأمر يتطلب من الشباب المصرى وخاصة الشباب الجامعى ضرورة تطوير إمكاناته وقدراته ومهاراته, بحيث تتكون لديه قيم المنافسة الشريفة والقيم العلمية المختلفة, كالرغبة الملحة فى المعرفة والفهم، والإيمان بالتفكير العلمى, واحترام المنطق, واستخدام العلم كمادة وطريقة، والقيم المرتبطة بالبيئة من حيث حمايتها, والحفاظ عليها, بحيث يؤدى ذلك إلى إعداد مواطنين قادرين على إيجاد حلول لتحسين مستوى حياتهم من خلال النمو الاقتصادى ودون تعريض البيئة للخطر، مع الحفاظ على حق الأجيال المقبلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قد يهمك أيضاً :

  • ما هي القيود التي يفرضها المجتمع على الفرد وما هي ايجاباته
  • الموضوع : السياحة بتونس : مدينة قرطاج
  • الحاسب الآلي .. والإنسان
  • مختصر كتاب قوة عقلك الباطن للمؤلف جوزيف ميرفي
  • هل العمل ضرورة بيولوجية تحافظ بقاء الإنسان ؟