سمات المجتمع المسلم


سمات المجتمع المسلم
للإسلام نظرته المستقلة للأسس التي تقوم عليها المجتمعات ، وقد أدت هذه النظرة وما صاحبها من مواصفات لهذه الأسس، إلى تميز المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات بعدد من السمات جعلته بحق مجتمعاً فريداً لم تعرف البشرية مجتمعاً غيره جمع في ثناياه هذه السمات الحميدة، ليكون أنموذجاً يرتجى، ومثالاً يحتذى عند العقلاء من بني البشر.
لما كان يتعذر في هذا المقام أن نذكر سمات المجتمع الإسلامي جميعها، فإننا سنذكر منها ما له صلة بالموضوعات التي نعرض لها في هذا المقرر ونفصل القول في أربعة منها، وندع الأربعة الباقية لمدرِّس المقرر يكلف الطلاب شرحها – طلباً للاختصار –:
إن من أبرز سمات المجتمع الإسلامي أنه مجتمع :
(1)  ملتزم بالشرع .   
(2) جاد . 
(3) متسامح .  
(4)  آمن .
(5) متناصح .
(6) تسوده المساواة .
(7) متراحم .
(8) مطيع لأولي الأمر .
السمة الأولى : أنه مجتمع ملتزم بالشرع:
نعني بهذه السمة، أن للمجتمع الإسلامي مرجعيته العليا ـ وهي الوحي بشقيه –الكتاب و السنة – يصدر عنها المجتمع في كل تصرفاته، فهي التي تدير شؤون أفراده وتحكم تصرفاتهم ، وهذا من مقتضيات الاستخلاف في الأرض: ) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( [النور آية:51].
إن الالتزام والقيام بما تأمر به شريعة المجتمع، هو الجانب العملي في العقيدة، هو دليل قوة الاستمساك بالعقيدة، إذ العمل جزء من العقيدة مرتبط بها، يعلو  بعلوها وينحط

بانحطاطها  ، وهذا ما يجعلنا نشدد على أن المجتمع الإسلامي مجتمع يقوم على أساس العقيدة ، وأن أثرها فيه تفوق كل أثر، وأنها أكبر ميزة تميزه عن غيره من المجتمعات.
يعني هذا أن المجتمع الإسلامي يحتكم إلى قاعدة الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع، فهو ملتزم التزاماً لا تحويل عنه ولا تبديل بالأحكام الشرعية التي تنظم تصرفات الأفراد وشؤون الأسرة وأخلاقيات المجتمع، ويرى ذلك كله جزءاً من التزامه الديني وعبوديته لله تعالى فهو لا يلتفت إلى تلك الدعوات التي تصدر بين الحين والآخر باسم الحرية والتطور وحقوق الإنسان والتي تسعى إلى النيل من ثوابت المجتمع والمساس بالتزاماته تجاه مرجعيته العليا .
إن هذا الالتزام والذي يجعل المجتمع الإسلامي متميزاً، يجعله كذلك عرضة للنقد والهجوم من قبل أعداء الإنسانية الطاهرة وهو ما ينبغي أن يتنبه له أفراد المجتمع الإسلامي .
السمة الثانية أنه مجتمع جاد:
في المجتمع الإسلامي مظاهر عدة تشهد على أنه مجتمع جاد لا مكان فيه لصغائر الأمور وسفاسفها، ويمكن أن نعد الحرص على العلم النافع والسعي إلى العمل الصالح، أبرز مظهرين يتضح من خلالهما جدية هذا المجتمع.
1- المظهر الأول: العلم النافع:
إن العلم النافع هو كل علم يحقق مرضاة الله تعالى ويجلب النفع لعباده، فالمجتمع الإسلامي يرحب بهذا العلم ويهيئ المناخ المناسب له، لأنه الوسيلة الفاعلة لتحقيق مقاصد ثلاثة يحرص المجتمع عليها وهي توجيه التفكير، وإصلاح العمل، وإيجاد الوازع النفسي .
إن المجتمع الإسلامي يرفض كل علم لا يكون وسيلة لتحقيق إحدى الغايات السامية للمجتمع، ويصنفه على أنه علم لا ينفع، وقد أرشدنا النبي r إلى هذا الفهم حين استعاذ r من هذا العلم، فكان يقول ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ) ، هذا النوع من العلم، يسعى المجتمع الإسلامي إلى محاصرته والتضييق على أهله أياً كان الوعاء الذي يظهر فيه هذا العلم، لأن محصلته واحدة وهي الترويج للعبث وإضاعة الوقت، والتشكيك في الثوابت، وإثارة الشبهات، وهي أمور كان يخلو المجتمع الإسلامي منها في عصوره الذهبية.


المظهر الثاني العمل الصالح:
يتبع العلم النافع العمل الصالح إذ أنهما متلازمان، ولا يتصور انفصالهما، إذ لا يكون العمل صالحاً ما لم يبن على علم نافع، ولهذا قدَّم الله تعالى الأمر بالعلم على الأمر بالعمل في قوله تعالى: ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ( [سورة محمد آية :19] ، ولا قيمة لعلم نافع، ما لم يتبعه عمل صالح، فقد ذم الله تعالى هذا الانفصام النكد في قوله سبحانه: ) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ( [سورة الصف آية:3].
إن مفهوم العمل الصالح، مرتبط بمفهوم العبادة كما يفهمها المجتمع الإسلامي، فدائرة العمل الصالح واسعة، فكل عمل يؤدي إلى مرضاة الله ويجلب النفع إلى البشرية، فهو عمل صالح يرحب به المجتمع الإسلامي، ويفتح له أبوابه ويشجع عليه أصحابه، وليس من طبيعة المجتمع الإسلامي تصنيف الأعمال إلى رفيع ووضيع، ولا التنفير من عمل قط ما دام صالحاً وتدعو الحاجة إليه ، في الوقت نفسه يضيِّق المجتمع الإسلامي على الأعمال العبثية بكل أنواعها، لأنها مضيعة للوقت، مهدرة للجهد، مشغلة عن الجد، ولا مكان في مجتمع أنيطت به مهمة الخلافة في الأرض لمثل هذه الأعمال مهما حاول أهلها تزيينها للناس، ذلك أن المجتمع الإسلامي يقظ بكل أفراده .
السمة الثالثة: أنه مجتمع متسامح :
التسامح في اللغة: مصدر سامحه إذا أبدى له السماحة القوية، لأن صيغة التفاعل هنا ليس فيها جانبان، فيتعين أن يكون المراد بها المبالغة في الفعل، مثل: عافاك الله، وأصل السماحة: السهولة في المخالطة والمعاشرة، وهي لين في الطبع في مظان تكثر في أمثالها الشدة.
إن السماحة صفة بارزة من صفات المجتمع الإسلامي، لأنها ظاهرة في ثنايا الإسلام كله، فالأحكام الشرعية مبنية عليها، فهذا قول الله تعالى ينطق بها: ) فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْه ِ( [سورة البقرة آية :173] ، والله تعالى يصف رسوله r بالسماحة ويوجهه للمداومة عليها، وذلك في قوله تعالى: ) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ( [سورة آل عمران آية: 159] ، ويلخص هذا القول النبي r : ( أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة .


تظهر السماحة في المجتمع الإسلامي جلية في المواطن التي يظن فيها ظهور ضدها كالانفعال والمشادة والغضب والأنانية، وذلك في حالات البيع والشراء والاختلاط في أماكن المنافع والاحتكاك في الطرق العامة، فإن أبناء المجتمع الإسلامي يمتثلون قول النبي r
( رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع إذا اشترى وإذا اقتضى) فالسماحة بمفهومها الواسع، صفة مصاحبة لتصرفات أفراد المجتمع الإسلامي، فهم بعيدون عن الانفعالات، حذرون من المشاحنات، معرضون عن التجاوزات، وهذا ما تقتضيه الأخوة في الدين.
ولا يعني هذا أن السماحة محصورة بين المسلمين فيما بينهم، فقد أمر الله تعالى بها مع المخالفين في الدين، فأمر بالإحسان إلى الوالدين الكافرين، وأذن سبحانه ببر المخالفين ما لم يكونوا محاربين، وأباح الزواج من نساء اليهود والنصارى، وأجاز المعاملات الدنيوية معهم، وهذه هي السماحة بعينها، وهذا غير الولاء الذي لا يكون إلاَّ لله وفي الله.
وليس يُعْذَر المسلم بترك السماحة والإعراض عنها بحجة أن غيره لا يعنى بها أو بحجة كثرة الهموم وضغط العمل وسوء الأحوال، فإن الله تعالى وصف عباد الرحمن بقوله ) وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً(  [سورة الفرقان آية :63].
وسيرة النبي r حافلة بالأحداث التي تؤكد سماحته مع كل من تعامل معهم، فهذا أعرابي يجذب رسول الله r من ثوبه حتى ترك أثراً في عنقه وهو يقول له: اعطني مما أعطاك الله فإنك لا تعطني من مالك ولا من مال أبيك، فتبسم له النبي وأمر له بعطاء .
كلما كان المجتمع إلى الإسلام أقرب كان باب السماحة فيه أوسع وأرحب ، فيحسن بالمرء أن يجاهد نفسه لتصبحَ السماحةُ خلقاً لازماً له: ) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ( [سورة فصلت آية :35].
السمة الرابعة: أنه مجتمع آمن :
يتصف المجتمع الإسلامي بأنه مجتمع آمن، والأمن مطلب رئيس للمجتمعات جميعها، بيد أن حصولها عليه ليس بالأمر اليسير، وإن الوقائع والأحداث من حولنا لتشهد بهذا.
ثمة تلازم واضح بين الأمن والإيمان، وبين الكفر والخوف: ) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ( [سورة النحل آية:112].



لما كان المجتمع الإسلامي مجتمعاً مؤمناً ملتزماً، كان بالضرورة آمناً، ونحسب أننا لا نبالغ عندما نقول إن البشرية قلما شهدت مجتمعاً ساده الأمن والأمان كالمجتمع الإسلامي على مر العصور، وحسبنا دليلاً على هذا، تلك الأرقام والإحصاءات التي تتحدث عن أعداد مذهلة ومخيفة من جرائم القتل والسرقة والاغتصاب، تشهدها الدول المتقدمة، والتي تصنف على أنها دول العالم الأول.
لقد تحققت صفة الأمن هذه للمجتمع الإسلامي بعدة طرق :
أولها : عن طريق سلامة منهج الفرد: واستقامة سلوكه فإن الأصل في الإنسان المسلم أنه
( لا يحتاج إلى رقابة القانون وسلطة الدولة لكي يرتدع عن الجرائم، لأن رقابة الإيمان أقوى، والوازع الإيماني في قلب المؤمن حارس يقظ، لا يفارق العبد المؤمن ولا يتخلى عنه).
وهذا ما تفتقده كافة المجتمعات الأخرى، مما جعل أمر المحافظة على أمنها عسيراً.
ثانيهما : عن طريق المجتمع: فما المجتمع الإسلامي في أصل تكوينه إلاَّ عدد كبير من الأسر التي نشأت على هدي من الله تعالى، فقامت بدورها المنوط بها في رعاية أفرادها وتوجيههم، ليكونوا عناصر خير وحراس أمن في المجتمع.
يضاف إلى هذا، أن المجتمع نفسه تحكمه ضوابط وتسود فيه روابط اجتماعية، منبعها كلها الإيمان، وهي بمجموعها تزين لأبناء المجتمع الخير بكل أشكاله، وتحث عليه بالترغيب، وتقبح الشر بكل صوره، وتحذر منه بالترهيب، وهذا كله ينتظم في تشريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي امتاز به المجتمع المسلم، والذي يُعد بمثابة السياج والعلاج.
إن المجتمع الإسلامي بمواصفاته المتميزة يرعى أبناءه، ويحاصر فيهم نزعة التفرد والتمرد، ويعز في نفوسهم احترام القيم الجماعية، وهذا يسهم إلى حد بعيد في توفير الأمن لهذا المجتمع.


ثالثها : عن طريق العقوبات: فهي موانع لفئة من الناس عن المساس بأمن المجتمع،
فإن الإسلام لا يركن في هذا المقام إلى الوازع الفردي والرقابة الجماعية فحسب، فحيث إن بعض النفوس تميل إلى حب السيطرة والعدوان، والقوي ميال إلى النيل من الضعيف، فقد لا تكفي والحالة هذه صيحات التهذيب والإصلاح، ولا آيات الوعيد بأليم العذاب في الآخرة للمعتدين ، قد لا يكفي هذا ولا ذاك، فلابد من رادع مادي وعقاب عاجل، كي تنزجر هذه الفئة، ويعيش المجتمع آمناً .
لا يخفى أن المقصد الأسمى للإسلام هو إصلاح الفرد والمجتمع، وقد بذل في سبيل هذا جهوداً كبيرة، وقد آتت ثمارها بفضل الله، فكان من تمام حكمة الله ومن مظاهر رحمته، أن يرعى هذا الإنجاز العظيم، ويصونه من عبث العابثين، فكانت الحدود والعقوبات بعامة، رحمة من الله تعالى بالمجتمع.
إن الذين يعترضون على هذه الحدود بحجة الإشفاق على الأفراد، هم في حقيقة الأمر يعتدون على حقوق مجتمع بأكمله، فجرمهم بهذا المسلك، أشد وأقبح من جرم من ارتكب جريمته.
كما أن أولئك الذين يرون أن بعض العقوبات قاسية، تعذر عليهم – لجهلهم - أن يتصوروا قساوة الجريمة التي قام بها من استحق هذه العقوبة، إذ لو لم تكن العقوبة بمستوى الجريمة، لما كانت هذه العقوبة رادعة.
لقد غاب عن هؤلاء الذين يعترضون على العقوبات الشرعية، أن حياة المجتمع وأمنه، منوطة بها، وقد أبان القرآن الكريم عن هذا المعنى بقوله تعالى: ) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يأُولِي الأَلْبَابَِ ( [سورة البقرة آية:179] ، إن التهديد بقتل من يقتل، أو تنفيذ حكم القصاص فيه، كفيل بأن يحول بين عشرات جرائم القتل التي كانت قد تحدث لولا الخوف من القصاص، وإن الوقائع والأحداث، شاهدة على هذا .
ينبغي على أبناء المجتمع الإسلامي أن لا يلتفتوا إلى أدعياء الإنسانية، والمستترون بحقوق الإنسان، والذين يهدفون إلى تدمير المجتمع، وإلى إشاعة الفاحشة فيه، وإلى نزع الأمن من جنباته، وذلك عن طريق الاعتراض على العقوبات الشرعية بحجة الغيرة المزعومة على حياة أفراد لم يعد لهم مكان في المجتمع بسبب انحرافهم.
إن العقوبات التي شرعها الله تعالى بشروط وضوابط هي غاية في الاحتياط تعد رحمة من الله تعالى، لأنها تحفظ على المجتمع أمنه، وتجعله متميزاً بين المجتمعات الأخرى بهذه السمة.
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قد يهمك أيضاً :