مفهوم الادارة في الاسلام
إن الإدارة هي المسئولة عن توجيه تصرفات الأفراد وسلوكهم، من أجل تحقيق الأهداف، وضمان استمرار نشاط الكيان الذي ينتمون إليه. ويتم التمييز بين الإدارة الناجحة والإدارة غير الناجحة، في أن الأولى هي التي تدفع بالكيان أو المنظمة إلى النمو والتوسع والتقدم، وهي التي تدفع أفراد هذا الكيان إلى العمل وبذل أقصى طاقاتهم وإمكاناتهم، عن طريق رفع حالتهم المعنوية، وتهيئة البيئة وظروف العمل المناسبة لهم، وهي التي تجعل مكان العمل أشبه بخلية نحل، يؤدي كل فرد واجبه بإتقان وانتظام، فالإدارة هي العقل المدبر والقلب النابض للكيان الموجودة فيه.
وإذا أردنا أن نعرف الإدارة، فيجب أن نعرف بأنه لا يوجد للإدارة تعريف متفق بين علماء الإدارة، بل لا يوجد بينهم معنى محدد يجمعون عليه، وهذا ما سنوضحه فيما يلى:
يقول د. الهواري : "الإدارة هي ذلك العضو في المؤسسة، المسئول عن تحقيق النتائج التي وجدت من أجلها تلك المؤسسة، أكانت المؤسسة شركة أو مستشفى أو جامعة أو مصلحة أو وزارة …… الخ" .
ويعرفها د. توفيق، حيث يقول: "إن الإدارة تمس وتؤثر في حياة وممارسات كل إنسان، فالإدارة تجعل كل فرد منا على علم تام بقدراته، وتدله على الطريق الأفضل لتحقيق غاياته، كما أنها تقلل من العقبات التي تعترض طريقه.
وعليه فالإدارة لا غنى عنها في أي تواجد جماعي، لتوحيد هذه الجهود في خدمة تحقيق الهدف، وللتغلب على الصعاب التي قد تعترض سبيله، وأن الإدارة نشاط، والذي يقوم بهذا النشاط هو المدير.
و يعرفها فردريك تايلور بقوله: "إن الإدارة هي أن تعرف بالضبط ماذا تريد، ثم تتأكد بأن الأفراد يؤدونه بأحسن وأرخص طريقة ممكنة". أما كونتز وزميله أودونال، فقد عَرَّفا الإدارة بقولهما: "إن الإدارة هي تنفيذ الأشياء عن طريق الآخرين". بينما يعرفها لفنجستون فيقول: "الإدارة هي نشاط لتحقيق الهدف بأحسن الوسائل وأقل التكاليف، وبأحسن استخدام للموارد والتسهيلات المتاحة". ويعرفها هيمان ثيو بقوله إن الإدارة هي: "وظيفة من شأنها أداء أعمال عن طريق أفراد آخرين، وتوجيه جهود هؤلاء الأفراد نحو هدف مشترك.
والدكتور الهواري يعرف الإدارة بأنها: "نشاط ذهني يتعلق بتنفيذ الأعمال بواسطة أشخاص آخرين. بينما يعرفها الدكتور توفيق على أنها: "عملية متميزة تتكون من التخطيط والتنظيم والتشكيل والتوجيه والرقابة، تنجز لتحديد وتحقيق الأهداف، عن طريق استخدام القوى البشرية والموارد الأخرى.
أما الدكتور عساف فيعرف الإدارة بقوله: "إن الإدارة هي الهيمنة على الآخرين، لجعلهم يعملون بكفاءة، تحقيقاً لهدف موقوت منشود.
ويعرفها الدكتور شاويش بأنها: "عملية الوصول إلى الأهداف التنظيمية ، من خلال العمل مع وبواسطة الناس ، ومصادر تنظيمية أخرى. أما الدكتور أبو الخير، فقد أطال في تعريفه للإدارة، ليشمل الكثير من تعريفات علماء الإدارة الآخرين، حيث أنه يرى بأن: "الإدارة تمثل العنصر الشخصي في حياة المنشأة الذي يعمل على تحقيق أهدافها، وفي سبيل ذلك تستخدم الوسائل الصحيحة لأداء الأعمال بقصد الحصول على أفضل النتائج بأقل الجهود الممكنة مع مراعاة العامل الإنساني، وتستعين بالقيادات الحازمة القادرة، وتطبق جميع عناصر الإدارة العلمية من تخطيط وتنظيم وتعيين وتوجيه ورقابة وتنسيق، وبذلك تكفل للمنشأة نجاحاً يرضى عنه أصحابها وعمالها وموظفوها والمجتمع الذي تعمل فيه.
ويرى الدكتور كامل المغربي وزملاءه بأن الإدارة هي: "عملية التنسيق بين جميع عوامل الإنتاج البشرية وغير البشرية ، باستعمال وظائف التخطيط والتنظيم والقيادة والإشراف والرقابة ، حتى يمكن التوصل إلى الهدف المطلوب ، وبأقصى كفاية ممكنة.
ويُعرِّف الدكتور بن حبتور الإدارة بقوله: "أسلوب لتنفيذ السياسات العامة ، أو ممارسة الأعمال والأنشطة الحكومية ، بغرض تحقيق الأهداف التي ترمي إليها الدولة بأكبر كفاية إنتاجية .
ويقول الدكتور أبو العينين،: "الإدارة هي ذلك النشاط الذي يعمل على تحديد وتحقيق الأهداف بواسطة الآخرين، عن طريق التخطيط الدقيق لهم، والتنظيم الجيد لأعمالهم، والتوجيه الواعي لمساراتهم، والرقابة الفعالة لأدائهم، في ظل اتخاذ القرارات الرشيدة.
إن الإدارة التي تستند إلى نصوص القرآن الكريم والسُنَّة النبوية الشريفة، وهما مصدرا التشريع الأساسيان في ديننا الإسلامي الحنيف، لا ريب أنها إدارة عقيدة في مقامها الأول، عقيدة الدين الإسلامي. ذلك الدين الذي يُحَرِّض على العمل لإصلاح المعيشة، ويحث على طلب العلم ويدعوها لاستثماره، ويفسح لها مجال التفكر والتدبر. وغير هذا وذاك، فهو دين يرحم البشرية من ضعفها، ويُؤَمِّنها من خوفها، ولا يُحَمِّلها أكثر من طاقتها، حيث يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسَاً إِلاَّ وُسْعَهَا لهَاَ مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ).
وفي أي عملٍ يقوم به الإداري المسلم، فإن نيتَّه تكون وفي المقام الأول هي نيل رضا الله وثوابه، والطمع برحمته والخوف من عقابه . فهو يعلم علم اليقين بأنه سيقف بين يدي الرحمن فرداً وحيداً منعزلاً، لا ينفعه مالٌ ولا بنون، وفي هذا المقام سَيُسأَل عن كل شيء، حيث يقول الله تبارك وتعالى: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدَاً * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدَّاً * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدَاً(. ويعلم الإداري المسلم بأنه أيضاً سَيُجَازى عن تصرفاته، فإن خيراً فخير وإن شراً فشر، يقول الله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَّرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّا يَرَهُ(.
إن الإداري المسلم أثناء عمله في الإدارة أو في أي مجال آخر، يعلم أنه مسئول أمام الله عن عمله هذا، وأنه سيسأل عن نتائج هذا العمل. فلذلك نجده حَذِراً في عمله ومتقناً له، لعلمه المسبق بأن الله مطَّلع عليه، حيث يقول الله تبارك وتعالى: (أَلَم يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى)، ويقول أيضاً الله تبارك وتعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) .
ومن هنا يمكننا القول بأن الإدارة الإسلامية بهذه الشمولية، هي عقيدة وعلم وفن. فهي عقيدة لأن تلك المبادئ والقواعد والقوانين التي تعتمد عليها، مستندة إلى القرآن الكريم والسُنَّة النبوية الشريفة، وأن تلك الموهبة والقدرة على استخدام هذه المبادئ والقوانين، تضع نصب أعينها مخافة الله تبارك وتعالى، والحرص على إتباع أوامره واجتنـاب نواهيه، للوصول إلى النتائج التي ترضي الله ورسوله والمؤمنين. وهي علم: لأنها تحوي مجموعة من المبادئ والنظريات، التي تمثل في مضمونها حقائق جوهرية وأساسية يمكن الاعتماد عليها. وهي فن: لكونها تعتمد على موهبة الشخص، وقدرته على استخدام ذكائه في الطريقة المثلى، التي يتم فيها إخضاع تلك المبادئ والنظريات للوصول إلى أفضل النتائج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق