دور المؤسسات الثقافية والعلمية في مواجهة أخطار العولمة الثقافية


        اتضح معنا أنّ العولمة تستند استناداً مباشراً إلى الحضارة الغربية المعاصرة التي توجهها المبادئ اللادينية الوضعية، التي لا تؤمن بالله تعالى والنبوات، ولا بالغيبيات الدينية. ومن هنا تشيع الحياة المادية والإلحادية عبر شبكاتها وأجهزتها العالمية، بأساليب ووسائل تقوم على الإغراء والخداع في غاية التأثير في النفس الإنسانية، إنًها تؤثر في مئات الملايين من المسلمين مباشرة أو بصورة غير مباشرة، فتؤدي إلى الإنكار والتشكيك، إنها تفقد الإنسان المسلم كيانه وشخصيته، تفقده عقله وقلبه وروحه، وتفرغه من أصول الإيمان والأخلاق الحميدة، إنّه ليست هنالك حضارة أو أمّة على وجه الأرض ستتأثر بالعولمة كما سيتأثر بها المسلمون والحضارة الإسلامية. ودراسة العولمة بكل بأبعادها دراسة واعية متفحصة، تثبت ولا شك أن المسلمين جميعاً هم الهدف الأهم للعولمة الأمريكية الرأسمالية. وذلك لعاملين:-
أ – ما تملكه بلادهم من مواد أولية هائلة يأتي على رأسها النفط والغاز وثروات طبيعية أخرى.
 ب – ما ثبت لهم عبر مراكزهم وبحوثهم وجامعاتهم ومستشرقيهم إنّ هذه الأمة مستعصية على الهزيمة، إذا حافظت على هويتها الإسلامية، ومن ثمّ فالطريق الوحيد لإخضاعها يتمثل في القضاء على تفرد شخصيتها، وإلغاء دينها الذي يبعث فيها الثورة والرفض لكل أشكال الاحتلال والسيطرة.
      ولذا فإنّنا ندعو إلى احتفاظ المسلمين بهويتهم الإسلامية وشخصيتهم المستقلة المتميزة حسب عقيدتهم ومنهاج دينهم، والمحافظة على الفكر الإسلامي في منابعه الأصيلة، وإعادة تماسك الأمة الإسلامية، مع الإفادة من خير ما أنجزته المدنية الغربية والعلم الغربي، مع عدم الأخذ من الثقافة نفسها إلا ما كان منها لا يتعارض مع هوية الأمة الإسلامية وشخصيتها وثقافتها الأصيلة.
        إنّه لا مفر من أمام مفكرينا ومثقفينا من مواجه المشاكل المتربة على اختراق ثقافة العولمة بعقل الواثق بحضارته الإسلامية، والواثق بنفسه، المتمكن من قدراته وطاقاته.

       إنَّ الواجب الديني والإنساني- باعتبارنا الأمة الوسط أمة الشهادة على الناس(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة:143- يوجب علينا أن نشارك مشاركة إيجابية فعالة في العولمة، بأن نعمل على الحد من اندفاعها المدمر لجوهر الإنسان، خاصة وأن هذه العولمة تركز على حرية الإنسان الفرد من  تحريره من كل قيود الدين والأخلاق والأعراف النبيلة، تريد أن تصل به إلى مرحلة العدمية ليصبح أسير الشركات العالمية الكبرى التي تستغله أسوأ استغلال بما تنتجه من سلع استهلاكية، وبما تقدمه من وسائل وبرامج ترفيهية، تصيبه بالخواء الروحي والفراغ الداخلي، إنَّه لابد أن نعمل جاهدين لتعديل مسار العولمة وتقويم توجهاتها، ونقدها في ضوء عقيدة الأمة وثقافتها ورسالتها في الحياة، كما أننا بحاجة لنقد ذاتي يفحص مواطن الضعف لدينا، ويكتشف أوجه الخطأ والتقصير، حتى نسهم في بناء الحضارة المعاصرة كما أسهم سلفنا من علماء الأمة في بناء صرح حضارة ألإسلامية شامخة فدمت عطاءها الغزير للإنسانية كلها.
        ونرى أيضاً ضرورة مواجهة منجزات العولمة، وتحدّياتها بشجاعة وإيمان، فلابد من الفحص والتمحيص، والنقد والاختيار، فالمسلم صاحب عقيدة، ورسالة عالمية، وثقافة أصيلة، ومنهج شامل في الحياة، وعليه أن يحمل رسالته الربانية للناس جميعاً، وعليه أن يجمع بين حسنات ما عنده وحسنات ما عند الآخرين، فالنافع والصالح يبحث عنه ويأخذ به، مع المحافظة على الأصول الإسلامية، مع ضرورة نقد قوي جريء للعولمة واتجاهاتها وثقافتها المادية، ومواجهتها وجهاً لوجه.
      ولقد شكت كثير من الدول الغربية من تأثيرات العولمة الثقافية في بلدانها، وبعض هذه الدول اتخذ عدداً من الإجراءات لحماية بلدانها منها. فوزيرة الثقافة اليونانية ملينا يركورى ترى أن بلدها قد غزتها الثقافة الأمريكية. وصرّح وزير الثقافة الفرنسي في السبعينات أنَّه خائف من وقوع الشعب الفرنسي ضحية للاستعمار الثقافي الأمريكي. ثمّ وزير الثقافة الفرنسي الحالي "جاك لانق" يشن حملةً شديدةً على القنوات التلفزيونية التجارية، فقال: إنَّها أصبحت صنابير تتدفق منها المسلسلات الأمريكية، حيث لاحظ أنَّه في يوم الأحد، وفي الساعة الواحدة ظهراً، خمس قنوات فرنسية تبث مسلسلات أمريكية، مع أن عدد القنوات الفرنسية ست قنوات فقط، أي أكثر من 80% تبث الثقافة الأمريكية. وفي فرنسا عندما شعر الرئيس الفرنسي "شارل ديغول" بخطورة تأثير الأفلام الأمريكية على الثقافة الفرنسية، قام بعدة إجراءات منها:-
1- إلغاء الاعتماد على الدولار كعملة احتياطية.
2- الانسحاب من الحلف الأطلسي.

3- إعادة النظر في العلاقات الثقافية، والسياسية مع أمريكا.

     وقد أعلن صراحة أنَّ تلك الإجراءات لحماية لفرنسا من الاستعمار الثقافي الأمريكي. وصرّح وزير خارجية كندا عام 1976م بأنّ برامج التلفزيون الأمريكي تدفع كندا نحو الكارثة، وأيضاً "بيار ترودو" رئيس وزراء كندا فقد شكا من تأثير الغزو الثقافي الأمريكي على الكنديين. حيث أثبتت بعض الدراسات أن هناك بعض الأطفال الكنديين لا يعرفون أنهم كنديون؛ لتأثرهم بالبرامج الأمريكية التي تبث إلى كندا.

     وما أحسن ما عبّر عنه الكاتب المصري فهمي هويدي معلقاً على دخول البث التلفزيوني إلى تونس، حيث قال: "خرج الاستعمار الفرنسي من شوارع تونس عام 1956م، ولكنه رجع إليها عام 1989م، لم يرجع إلى الأسواق فقط، ولكنه رجع ليشاركنا السكن في بيوتنا، والخلوة في غرفنا، والمبيت في أسرة نومنا. رجع ليقضي على الدين، واللغة، والأخلاق، كان يقيم بيننا بالكُره، ولكنه رجع لنستقبله بالحب والترحاب، كنا ننظر إليه فنمقته، أما الآن فنتلذذ بمشاهدته، والجلوس معه إنه الاستعمار الجديد، لا كاستعمار الأرض، وإنما استعمار القلوب، إن الخطر يهدد الأجيال الحاضرة، والقادمة، يهدد الشباب والشابات والكهول والعفيفات والآباء والأمهات.
   وللحفاظ على اللغة العربية من طغيان العولمة الذي يستهدفها لابد من عمل التالي:-
أ- إعادة النظر فيما يعرض من البرامج عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع ليكون المعروض مؤصلا للثقافة العربية وداعما للغة العربية الأم.
ب- إنتاج برمجيات الحاسب الآلي المتطورة والقادرة على التعامل مع النص العربي لسهولة تسويقه عبر الشبكات العالمية، وأيضا برمجيات لتيسير الترجمة البينية بين العربية واللغات الأخرى، ليحصل التفاعل الثقافي على أساس العالمية العلمية لا العولمية الغربية.
ج- - استخدام وسائل العولمة وتقنيتها المتطورة لنشر الإنتاج الثقافي العربي عبر الصورة والصوت مع الاهتمام بجودته لينجذب إليه المتلقي العربي فيستهلكه بدلا عن الإنتاج الغربي.
د- تعريب المناهج العلمية والعملية التطبيقية في كل الفروع العملية والثقافية. والعمل على حرية تنقل الكتاب، ووسائل المعرفة بين البلاد العربية. ورفع الحظر عن ذلك لتعميق الوحدة الثقافية بين البلاد العربية، وتقوية الأواصر بين الناس والمصادر الأصيلة في تلقي اللغة، ومنها الأسرة والمدرسة.([7])
      إنّ الأمّة العربية والإسلامية بالرغم من أنها تعيش حالة تجزئة سياسية، وحالة تخلف اقتصادي وتقني، إلا أنها تمتلك إمكانيات متعددة اقتصادية وثقافية وغيرها، وإذ ما أحسن توظيفها وإعادة ترتيبها وتنسيقها، يمكن أن تشكل حالة مؤثرة وفاعلة، وبالتالي تشكل حالة أمان قوي في مواجهة العولمة."وإنّ المقوّمات الثقافية والقيم الحضارية التي تشكّل رصيدنا التاريخي، لن تُغني ولن تنفع بالقدر المطلوب والمؤثر والفاعل في مواجهة العولمة الثقافية، مادامت أوضاع العالم الإسلامي على ما هي عليه، في المستوى الذي لا يستجيب لطموح الأمة. ولا يحسُن بنا أن نستنكف من ذكر هذه الحقيقة، لأن في إخفائها والتستّر عليها، من الخطر على حاضر العالم الإسلامي ومستقبله، ما يزيد من تفاقم الأزمة المركبة التي تعيشها معظم البلدان الإسلامية على المستويات السياسية والاقتصادية والاِجتماعية والثقافية والعلمية".

      ولقد أكد الدكتور عز الدين موسى- أستاذ التاريخ بكلية الآداب بجامعة الإمام- أنّ الفكر الإسلامي يستطيع أن يلحق بالعولمة هزيمة نكراء، لأنّ العولمة تحمل بذور فنائها داخلها, كما أنّ العولمة تُهزم الآن داخل المجتمعات الأوربية، إذ بدأوا يتحدثون هناك عن الدولة الإثنية، وسيأتي الدور على أمريكا، مبيناً أن جوهر الإسلام يقوم على التعددية وأن الوحدانية لله تعالى فقط, منوهاً إلى أن الإسلام له دور كبير في عالم اليوم إذا أحسن المسلمون تأويله وتأصيله ومخاطبة العالم بلغة العصر.
      إنّ المشروع الإسلامي العالمي هو الذي نستطيع به مواجهة خطر العولمة. لأنّه وحده الذي يملك مواصفات عقائدية، وتشريعية وثقافية وأخلاقية سليمة وصحيحة وقوية، ولأنّها وحدها التي تنسجم مع السنن الربانية في الكون، وتتفق مع الفطرة الصحيحة والعقل الصريح، ويملك بالإضافة إلى ذلك تجربة تاريخية غنية، صاغت حضارة عالمية متميزة، ما زالت آثارها ماثلة في كل مكان. والأهمّ من ذلك أنّ هناك أمّة عربية إسلامية ما زالت قائمة موجودة– رغم كل محاولات الإفساد والتضليل، والتشرذم والتقطيع، والتجهيل، والإفقار الذي مارسه الأعداء نحوها- يجمعها دين واحد، وقبلة واحدة، وكتاب واحد، ولغة واحدة، وتاريخ واحد، وعادات وتقاليد واحدة، ولديها إمكانيات مادية واقتصادية هائلة. إنّ مواجهة العولـمة توجب أن نتعامل معها من مراكز قوية تدلّل على وحدة الأمة، وقوتها وتكاملها وأهدافها النبيلة لخيرها وخير البشرية جميعًا.
     نطالب بضرورة قيام المخططين الاستراتجيين من المفكرين والمثقفين والتربويين عند التخطيط للمستقبل بمراعاة مواجهة مشكلات العولمة ضمن هذا التخطيط، فيسلكون سبيل التحليل النقدي الهادئ، الذي يقترح حلولاً وردوداً عملية على المستجدات بدلًا من أن يفزع أمامها.
إنَّه كي نحافظ على ثقافتنا ونحميها ينبغي على أصحاب القرار في الأمة العربية الإسلامية وقواها الحية أن تدركا أن الحفاظ على الثقافة العربية الإسلامية بجميع مكوناتها وتوفير الحماية لها، لا يتأتى إلا عبر تبني استراتيجية الفعل، والتي تحقيقها ونجاحها يرتبط أساسا بمدى فهمنا العميق لقوانين العالم وقواه ومعارفه وأدواته وسبل الأداء الناجح في ميادينه والاستجابة لتحدياته، ومن ثمة المشاركة في بناء حضارته باقتدار ونجاح لنحمي أنفسنا بل البشرية من حولنا.( سبيلنا إلى ذلك هو الإيمان والعلم والعمل. ولذا فإنا نطالب بضرورة
1- تنفيذ قرارات منظمة المؤتمر الإسلامي التي يتعلق بالإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي الصادرة عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، وقد تم التأكيد عليها في مؤتمر القمة الإسلامي الخامس، وصادق على مشروعها مؤتمر القمة السادس، كما صادق على قرار تنفيذها مؤتمر القمة السابع، ونطالب الدول العربية والإسلامية إدخال هذه الإستراتيجية في سياساتها الثقافية والتعليمية والتربوية.
2- وضع استراتيجية شاملة من المؤسسات التعليمية والثقافية المحلية، والمنظمات التربوية الإسلامية الإقليمية تهدف في مجملها: إلى مواجهة سلبيات العولمة في بعدها الثقافي، والاستفادة منها في إيجابياتها، وهذه الاستراتيجية تراعي الواقع الذي يعيشه الشباب المسلم، مع ملاحظة ردّ الاعتبار للإنسان المغيب في عملية التنمية والبناء، وتهميش الطاقات والكفاءات الثقافية والعلمية، وتدهور وضع النظام التعليمي والبحث العلمي. مع ضرورة أن تحقّق هذه الاستراتيجية الأمور التالية:-
1- مواجهة الثنائية التي تعاني منها المجتمعات المسلمة في الجانب الثقافي، منذ ما يقرب من قرنيـن، نتيجة احتكاكها مع الثقافة الغربية الوافدة، بتقنياتها وعلومها وقيمها الحضارية.
2- دراسة الوسائل والأساليب التي تساعد على نشر الثقافة والفكر الإسلامي، لأنّ المؤسسات الثقافية والعلمية هي الأقدر على مواجهة أخطار العولمة. ومن ذلك إعادة بناء المؤسسات الإعلامية، لتمثل الثقافة الإسلامية أصدق تمثيل، ولتكون قادرة على عولمة الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي. وتوظيف جميع مفردات الثقافة الإسلامية في مجالات التعليم، التربية، الإعلام، التجارة، الاقتصاد والسياسة.
     لابد من التركيز على ترسيخ مفاهيم وقيم الثقافة الإسلامية في مواجهة مفاهيم الفوضى والإباحية والضياع، فنتيجة للعولمة الثقافية الإعلامية تعرضت جوانب كثيرة من الثقافة السائدة في البلدان الإسلامية لتشوهات واختلاط المفاهيم كالعادات المستحدثة والسلوكيات السائدة في أوساط الشباب الإسلامي، فقسم كبير منها هو تقليد للغربيين في عاداتهم وسلوكهم بدعوى التنوير والانفتاح. وانتشرت في بعض البلاد الإسلامية ألوان من الجرائم لم تعرف من قبل. أما الإنتاج الأدبي والفني فإنه في أغلبيته يحمل مفاهيم الثقافة الغربية.
3- تناول قضايا العصر الثقافية والاجتماعية، ودراسة انعكاساتها على الجوانب الثقافية والاقتصادية والسياسية من منظور المبادىء والأسس الإسلامية، والإجابة عمّا تثيره هذه القضايا من أسئلة وما تطرحه من مشكلات.
4- تقوية اتجاهات الشباب المسلم بالتمسك بالعقيدة الإسلامية التي ارتضاها الله تعالى لنا، فالعقيدة هي التي تبصرنهم بحقائق الحياة. إنّ مجرد كوننا مسلمين جغرافيين لا يكفى لإنجاز وعد الله لنا بالنصر في مواجهة أخطار العولمة، لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول:(إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) سورة محمد:7، فهل نحن نصرنا الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه؟

5- الاهتمام بتربية وتثقيف الشباب المسلم وتوجيههم، من خلال المحاضرات العلمية والتوجيهية، والدورات التربوية المستمرة أو المؤقتة. وإقامة المخيمات الشبابية الصيفية، والمهرجانات العامة والمؤتمرات، والعروض المسرحية، وكتابة الأفلام والمسرحيات التربوية والتثقيفية الهادفة، ومن ثمَّ عرضها في المسارح ودور العرض السينمائية. وإعداد شخصية المسلم المعاصر إعداداً كاملاً من حيث العقيدة، والأخلاق والقيم، والمشاعر والذوق، والفكر والمادة، حتى تتكوّن الأمّة الواحدة المتحضرة التي لا تبقى فيها ثغرة تتسلل منها إغراءات العولمة الثقافية اللادينية، والاجتماعية الجنسية الإباحية.
6- ترشيد وتوجيه الصحوة الإسلامية- التي جاءت تعبيراً عن العودة إلى الإسلام، ورفض التغريب– والاستفادة من الصحوة الإسلامية في مواجهة أخطار العولمة. وتهيئة صفوف الأمة للبناء، والتعمير، والحركة والتغيير.
7- إعداد مناهج دراسية تربوية جديدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة في التربية الدينية، وعلوم اللغة العربية، والتاريخ والجغرافية، والوطنية العامة، وحتى الكتب العلمية الصرفة. فالمنهج والكتاب المدرسي في أي بلد له دور أصيل في بناء وتشكيل شخصية الأفراد، بل والمجتمع. كما أنّه يعكس تطلّعات الأمّة وطموحاتها وآمالها في أجيالها القادمة، وفي صورة المجتمع الحاضرة والمستقبلة. إنّ الواجب يملي على مؤسساتنا ومعاهدنا العلمية والثقافية أن تعد وتطوِّر مناهج التعليم بما يعزّز مقومات الأمة ومرتكزاتها، وفق أسسها ومنطلقاتها العقدية والشرعية، والفكرية والقيمية والاجتماعية، فهي وحدها الكفيلة بتعزيز وغرس التربية السوية للأمة، وفق مفاهيم التربية الإسلامية الشاملة، التي تحافظ على تماسك المجتمع، وتحقق وحدته الفكرية، وهي وحدها التي تعينه على مواجهة التحديات الغربية وعلى رأسها تحديات العولمة.

8- إعداد البرامج الدراسية النافعة لأفراد المجتمع المسلم، التي تبني المنهج الشمولي في فهم الإسلام الذي يجمع بين العقيدة والشريعة، والسلوك والحركة والبناء الحضاري، وفق منهج أصولي سليم، يعتمد فقط على أسس العلم، ومقتضيات العقل، ومرتكزات الفطرة السليمة. وهذا يتطلب تغيير حياتنا منطلقين من قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد:11.
        إنّ بعض الأسلحة المعاوِنة للعولمة- بقصد أو غير قصد- هي تشجيع الفساد والانحلال والاستغراق في الشهوات، وتبذير المال القليل على مسايرة المظاهر وحُمّى الاستهلاك، ويُحسن الشباب المسلم صُنعاً إذا تعاونوا على مكافحة هذه الأوبئة من خلال المساجد، والمراكز الثقافية ووسائل النشر المتاحة. وواجب الشباب المسلم أن يُقبِل بشجاعة وحماس على العلم النافع، واكتساب المعارف والمهارات، ولا سيما استخدام التقنية الحديثة التي باتت تفتح آفاقاً واسعة لإنسان الغد".
9- العمل على تحقيق وحدة الأمّة المسلمة، من خلال تحقيق وحدة العقول والثقافة، والقلوب والعواطف الإيمانية، والمصالح والأهداف، في إطار المؤتمر الإسلامي الحالي، والذي تتولد منه قوة سياسة ومعنوية واحدة، على أساس وحدة الأمة الواحدة، والمصير المشترك.
10- الاستفادة من رصيد الأمة العربية الإسلامية في ولوج عصر العولمة، وهذا يقتضي أن تسعى القيادات الفكرية والعلمية والدعوية إلى ترجمة حقيقة الأمة المسلمة الواحدة على أرض الواقع، وذلك بتحصين الهوية الثقافية التي قامت عليها هذه الأمة. وتكوين أجيال تشعر بانتمائها الإسلامي وانتسابها الحضاري للأمة العربية والإسلامية، لابد من صياغة الفرد صياغة إسلامية حضارية، وإعداد شخصيته إعدادًا كاملاً من حيث العقيدة والذوق والفكر والمادة، حتى تتكون الأمة الواحدة المتحضرة التي لا تبقى فيها ثغرة تتسلل منها إغراءات وسائل العولمة اللادينية الجنسية الإباحية.

11- إنّ المجتمعات العربية المسلمة لن تتقدم في عصر العولمة ما لم تتخلص من التبعية ‏والتقليد للغرب، وتتبني النموذج الإسلامي الحضاري الفريد حتى تستطيع المحافظة على كيانها ‏‏وهويتها الثقافية والحضارية في ظل التنافس الحضاري والتدفق الحر للمعلومات. إنّه لابد من الردّ على الغزو الثقافي للعولمة من خلال الفكر الإسلامي، وفق المنهج العلمي السليم، وباستخدام جميع الوسائل التي يعتمد عليها من خلال كافة الجوانب الفكرية والفنية والأدبية، التي يعرضون من خلالها أفكارهم المناقضة للإسلام.
     إنَّه لابد ضرورة إبراز سماحة الإسلام، واتساعه للحوار مع غير المسلمين، وتوطيد العلاقات الإنسانية الكريمة بين الناس، ودعم أخلاق التعامل والتخاطب. وتصحيح فهم عالمية الإسلام باعتباره دعوة إنسانية موجهة لكافة الناس، وليس نظاما يسعى أتباعه إلى فرضه عنوة وقسراً على سائر الناس، وبيان الفرق بين الإسلام كحضارة ونظام للحياة كما يؤمن به المسلمون، وبين ما سماه الغربيون حديثاً "الأصولية" وهو ما نسميه نحن بتيار الغلو في الدين

قد يهمك أيضاً :