ما هي أسس بناء المجتمع وعناية الإسلام بها


http://alshamtoday.net/site_media/articles/3065.jpg

إن أي مجتمع باعتباره كياناً قائماً بذاته, لابد له من أسس يبنى عليها، وتكاد تكون هذه الأسس مشتركة بين المجتمعات كلها، بيد أن المجتمع الإسلامي تميز عن غيره في هذا المجال وكان تميزه من جهتين: أما الأولى فهو أنه جعل العقيدة بكل مظاهرها والشريعة بكل أحكامها الأساس الأكبر الذي تبنى عليه الأسس الأخرى، إذ لا قيمة لأي أساس لا تكون العقيدة والشريعة متمثلة فيه قائمة عليه، وهذا ما ظهر جلياً في التربية النبوية للمسلمين أفراداً وجماعات بخاصة في العهد المكي الذي مهد الطريق للأسس الأخرى لتصبح مكونات معتبرة وهو ما حرصنا على إبرازه حين عرضنا لهذه الأسس وبينا كيف أن الإسلام صبغها بصبغة عقيدية وصاغها صياغة إسلامية، ومن هنا كان التميز وكانت الآثار الإيجابية.
أما الثانية فإنه بما أوجده من مواصفات، وبما وضعه من اعتبارات تجاه هذه الأسس، فجاء هذا المجتمع متميزاً بتميز أسسه, وهو ما سنعرض له في هذا المبحث.
 
يمكن القول إن الأسس العامة التي يقوم عليها بناء المجتمع الإسلامي – بعد الأساس العقدي المهمين عليها – هي:
(1)  الإنسان .  
(2) الروابط الاجتماعية.  
(3) الضبط الاجتماعي.   
 (4)  الأرض
 
الأساس الأول : الإنسان
عنى الإسلام بالإنسان الفرد عناية لا مثيل لها، بغية أن يهيئه ليكون الأساس الأول في بناء المجتمع ، وبرزت هذه العناية الإلهية منذ الخلق والتكوين حين خلقه الله تعالى بيديه ونفخ فيه من روحه ومنحه العقل والحواس، فبان بهذا أنه مخلوق كريم على الله ثم تبعته العناية الإلهية حين قضى الله تعالى، أن يكون خليفة في الأرض، وقد تُوِّجت هذه العناية بشريعة الإسلام وبما تضمنته من هدايات وتوجيهات تخص الفرد المسلم كادت تستغرق العهد المكي كله، ولم يغفلها العهد المدني، هدفت كلها إلى بناء شخصية للفرد المسلم متزنة مستقلة تجمع بين ما استودع فيها من رغبات ونزعات، وبين ما أنيط بها من مسؤوليات على مستوى الفرد والجماعات، وهذا ما جعل من هذا  الإنسان ـ بحق ـ مخلوقاً متميزاً ، وصار خليقاً لأن يصبح خليفة في الأرض، وأهلاً للقيام بواجباته تجاه نفسه وتجاه مجتمعه كما أسلفنا.



لقد أسهم في تحقيق هذه الغاية العظمى والمهمة الأسمى أن الله تعالى أودع في الإنسان نزعتين متباينتين في الظاهر، لكنهما متكاملتان وهما النزعة الفردية وهي التي تجعله يحب الخير لنفسه ويدفع الشر عنها، ويحرص على تحقيق ذاته، والنزعة الاجتماعية وهي التي تدفعه إلى صف الجماعة وحضن المجتمع، لأن الله تعالى جعل بحكمته حاجة الفرد إلى الفرد, كحاجة العضو إلى العضو في الجسد الواحد ، ويفهم هذا إذا علم أن سلوك الفرد ورغباته كالحب والوفاء والتميز والفخر، لابد لها من محيط اجتماعي تمارس فيه  .
 

يضاف إلى هذه الدوافع الفطرية، دوافع مكتسبة أوجدها الشارع الحكيم من خلال تشريعات وتكاليف خوطب بها الفرد، لها اتصال مباشر بالمجتمع ، وهذا ملحوظ في العبادات كلها كما سنرى، ( ذلك لأن الحياة داخل المجتمع، تمنح الفرد قوة فوق قوته) .
 
إن المتأمل في مكانة الفرد في الإسلام وما أحيط به من عناية وتهيئة، يدرك أنه أهل لأن يكون الأساس الأول في بناء المجتمع باعتباره اللبنة الأولى في الأسرة ،تلك الأسرة التي تؤلف مع مثيلاتها، المجتمع الرباني.
 
 
 
الأساس الثاني : الروابط الاجتماعية
فطر الإنسان على حب الانتماء إلى المجتمع، فهو يميل بطبعه إلى بني جنسه ويكره العزلة، ذلك: ( أن الاجتماع ما هو إلاَّ تعبير عن غريزة مستكنة في أعماق نفس الإنسان والجماعة، صفة لازمة من صفاته)  .
 

وحيثما وجد تجمع إنساني برزت ـ بلا شك ـ روابط اجتماعية وصلات   ( وهي عبارة عن فكر وسلوك )   تنمو وتعمل في ظل التفاعل الاجتماعي بين الأفراد.
 
ويرى بعض الباحثين أن هذه الروابط منها ما هو علاقات اجتماعية، مثل الصداقة والمصاهرة، ومنها ما هو عمليات اجتماعية أشد تعقيداً من سابقتها، مثل الجوار والصراع. ومنهم من يقسم هذه الروابط إلى فطرية كالقرابة، وإلى مكتسبة كالجوار .


وعلى كل، فهي ظواهر نمت في ظل الاجتماع وتولدت منه بسبب شعور كل فرد بحاجته إلى التعاون مع الآخرين والارتباط بهم تحقيقاً للمصالح المشتركة، وهو ما كشف عنه رائد علم الاجتماع ابن خلدون بقوله: ( إن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته، فلا بد من اجتماع القدر الكبير من أبناء جنسه)  .
 
يجدر بنا أن نذكر في هذا المقام تميز المجتمع الإسلامي عن غيره في مجال الروابط الاجتماعية، فهو وإن أقر كثيراً من الروابط ورعاها حق رعايتها، إلاَّ أنه جعل الرابطة العظمى والعروة الوثقى هي العقيدة وما يفيض عنها من تشريعات وهدايات، لأنها المرجعية الأولى والعليا لأبناء المجتمع الإسلامي في كل ما يصدر عنهم من سلوك وتصرفات فكان للعقيدة والحالة هذه دور ظاهر في إيجاد روابط اجتماعية، وفي تهذيب روابط أخرى كان قد أقرها العرف من قبل.
 
إن الإسلام  يعتمد في بناء مجتمعه على قوة الرابطة التي يضعها بين المسلمين ويجعل منهم جسماً واحداً يتجه ـ بقوة ـ  إلى غاية واحدة، ذلك ما يصوره الحديث النبوي المشهور: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)  .
 
حق في ضوء هذه المفاهيم أن تكون الروابط الاجتماعية واحداً من الأسس التي يبنى عليها المجتمع ( ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا أن المجتمع نسيج مكون من صلات اجتماعية)  .
 
الأساس الثالث : الضبط الاجتماعي
يؤثر الأفراد بعضهم في بعض عندما يضمهم مجتمع واحد، فينشأ عن هذا مجموعة من السلوكيات والأحاسيس والتصورات، تختلف عما يفكر فيه الفرد ويحس به أو يريده لنفسه، وربما اتخذت الجماعات قرارات لم يردها بعض أفرادها لو خلوا بأنفسهم لاختلاف الإرادة الفردية عن الإرادة الجماعية، وكأن هذا يعني  وجود شخصية جماعية تفرض نفسها على الأفراد .
 
يسمي علماء الاجتماع هذا الذي أشرنا إليه، بالضبط الاجتماعي، ويعني ضرورة الوعي بشعور الآخرين ،ومراعاة حقوقهم وانتهاج سلوك يتأثر بهذا الوعي وهذا السلوك .


لا شك في أن حاجة المجتمع ماسة لوجود ضوابط وأنظمة ( تطلق نشاط الأفراد في مجالات، وتحبس نشاطهم في مجالات أخرى، وتضع لهم مقاييس للسلوك تقوَّم الأمور تبعاً لها، فتعتبر بعض الأمور كريمة محببة وتعتبر بعضها كريهاً مذموماً ) .
 
لقد تنبه المعنيون بشؤون المجتمع إلى أهمية هذا الأساس في بنائه، وكان غاية ما توصلوا إليه من أجل تحقيق هذا الغرض ما سمي بنظرية العقد الاجتماعي، والتي اتضحت معالمها على يد العالم الشهير ( روسو ) ( وهي فكرة مادية تقوم في حقيقتها على تبادل المصالح والتعايش بين الناس لينال كل منهم حقوقه، وهي محاولة لا بأس بها لكف نوازع العدوان والتسلط) لكنها لا تقوى هي ولا مثيلاتها بحال على التأليف بين قلوب أفراد المجتمع، ولابث المحبة بينهم، ولا زرع روح التسامح في المجتمع، فهي لا تزيد على كونها محاولة للتوفيق بين الرغائب، والملاءمة بين المصالح، حتى لا يحدث تصارع ولا اختلاف .
 
للإسلام منهج في هذا المجال ما عرفت البشرية في تاريخها الطويل منهجاً يوازيه أو يدانيه، سلك فيه مسالك متنوعة، فآتت ثمارها، وكان من ذلك أن زين لأفراد المجتمع طريقاً سهلاً موصلاً للجنة ولرضوان الله عن طريق محبة الآخرين، قال:  ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشو السلام بينكم) .
 
فجعل انتشار المحبة المتبادلة بين أفراد المجتمع، علامة على تحقق الإيمان، ورتب عليه دخول الجنة وهذا من أعظم الحوافز التي توضع بين يدي المسلم اليقظ، ولا شك أن المحبة في الله إذا فشت بين أفراد المجتمع، كان لها من الآثار والثمار ما هو كفيل بتجاوز كثير من الأزمات، ونمو التسامح في المعاملات.
 
كذلك رغب الإسلام أبناءه في العناية بقضايا المجتمع وحاجات أفراده، ورتب على هذا مكاسب عظيمة بينها الرسول . بقوله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه ،كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً، ستره الله يوم القيامة) .
 
لقد أوجدت هذه النصوص الشرعية وأمثالها، رقابة ذاتية لدى الإنسان المسلم، وحافزاً داخلياً يحمله على التفاعل الإيجابي مع أبناء مجتمعه، وتجعله يستحضر المسؤولية المنوطة به تجاههم وتكون ثمرة هذا كله، أن تقوى أواصر المحبة والتسامح والنصح والإيثار وحسن العشرة وكف الأذى بين أفراد المجتمع، وهو ما يسند نظم المجتمع ويبرز معالم الانضباط فيه.

لم يركن الإسلام في ضبط السلوك وحفظ الأمن الاجتماعي إلى هذا المنهج على الرغم من أهمية أثره الإيجابي، إنما تعداه إلى إيجاد تشريعات يحتكم إليها أفراد المجتمع عن رضا وطيب نفس كونها ربانية المصدر، فقد نظم الإسلام العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم، وأوجد نظماً تخص الأسرة الصغيرة والكبيرة، ونظم أمور المعاملات، ليقف كل فرد على ما له وما عليه، وهو منهج يتسم بالواقعية، ويسهم في ضبط الأمور في المجتمع.
 
دعت الحاجة- إضافة إلى ذلك كله- إلى وجود بعض الروادع تمثلت في تشريعات تتعلق بالعقوبات على أنواعها، تقوِّم اعوجاج بعض الأفراد، وتردهم إلى الصواب، حماية لهم من شرور أنفسهم، وصيانة لأمن المجتمع. وفي ضوء هذا العرض الذي تقدم، تظهر أهمية الأنظمة في المجتمع ومكانة الضبط الاجتماعي، باعتباره واحداً من أسس بناء المجتمع.
 
الأساس الرابع : الأرض
تعد الأرض واحدة من الأسس التي يبنى عليها المجتمع، وبيان هذا : أن الله تعالى أنزل الإسلام بأحكامه وتشريعاته ليحكم في الأرض، ويطبق على أرض الواقع، يتمثله الناس في شؤون حياتهم من أجل تقديم أنموذج حي ومثالي لمجتمع مسلم متميز.
 
لا يخفى أن هذه الغايات الكبرى تستدعي بعض العوامل المساعدة على تحقيقها، منها توفر حرية التصرف لدى الأفراد ، والسلامة من التأثير الخارجي، ووجود مناخ مناسب لإقامة أحكام الله وتشريعاته، ثم وجود سلطة تملك صلاحية اتخاذ القرار وتنفيذه، ويتعذر توافر هذه العوامل أو يكاد إذا لم توجد بقعة من الأرض تجمع المسلمين، وتكون الكلمة فيها لهم.
 
تتضمن سيرة النبي r وأتباعه الكرام، إشارات توضح هذا المعنى، فإن النبي r لما بعث في مكة وصار له أتباع، حرصوا على الالتفاف حول النبي r وتكوين تجمع خاص بهم، متميز في كثير من نواحي الحياة عن المجتمع الجاهلي الكبير الذي يعيشون فيه، فأمكنهم التميز في جوانب كالعبادات والأخلاق،وتعذر التميز في جوانب أخرى كالمعاملات العامة ولم يكن للإسلام يومئذ قانون نافذ، ولم يكن له قوة يستطيع بها تنفيذ تعاليمه، فكان الوازع الداخلي لدى المسلمين آنذاك، مغنياً عن القانون والسلطان.
 
لقد بحث النبي r منذ وقت مبكر عن أرض يقيم بها هو وأصحابه، لينشئ مجتمعاً خاصاً، فقصد أهل الطائف فلم يجيبوه، ثم عرض دعوته على أهل المدينة، فاستجاب أهلها الكرام لدعوته، وفتحوا أبواب مدينتهم أمام الرسول r وجموع المسلمين من كل مكان، فكانت الهجرة من أعظم أحداث التاريخ الإسلامي على الإطلاق، لأنها هيأت الأرض ووفرت المناخ المناسب لإقامة مجتمع إسلامي مستقل ومتميز، فبدأت معالم هذا المجتمع



تبرز للعيان، وتتابعت التشريعات في شتى المجالات بخاصة تلك التي تنظم العلاقات والمعاملات بين أفراد المجتمع الواحد.
لقد تضمن القرآن الكريم ربطاً بين إقامة الأحكام الشرعية وبين التمكين في الأرض حين قال تعالى: ) الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور (ِ [سورة الحج آية :41].
 
فقد سيقت الآية الكريمة في مقام الشكر لبيان أن التمكين في الأرض يقتضي شكر الله تعالى بإقامة أحكامه التي أمر بها بسبب زوال كثير من العوائق .
 
إذا فهم هذا، تبينت العلة التي من أجلها شنَّع القرآن الكريم على أولئك الذين آثروا البقاء في أرض الكفر، ولم يهاجروا إلى أرض الإسلام للانضمام إلى المجتمع المسلم، وذلك في قوله تعالى: ) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيرا  ً( [سورة النساء آية : 97 ].
 
يمكن القول ـ  في ضوء ما تقدم ـ: إن الأرض من أسس بناء المجتمع الإسلامي، ويتعذر إقامة مجتمع واضح المعالم ما لم يكن للمسلمين أرض، لهم فيها القول والفصل .





هناك 5 تعليقات:

  1. لم يعجبني افففففففففففففففف

    ردحذف
  2. اقتدي وامارس لهاذا الدرس

    ردحذف
  3. طويل جداااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

    ردحذف
  4. اطول في تاريخ

    ردحذف

قد يهمك أيضاً :