نظريات اجتماعية معاصرة (التفاعلية الرمزية، الظاهراتية, الإثنوميتودولوجي، التبادل الاجتماعي)

التفاعلية الرمزية :  إن التفاعلية الرمزية أقدم تقاليد التحليل السوسيولوجي قصير المدى (أنظر كربت: 174ص- 1999) ويعود إلأى هربرت بلومر سنة 1937م في مقال تحت عنوان علم النفس الاجتماعي صك تغيير (التفاعلي الرمزي) وفي مقال لاحق له سنة 1962م يعنوان (المجتمع والتفاعل الرمزي) يؤكد بلومر بأن ميد أكثر من أي من الآخرين وضع أساس هذا الاتجاه رغم أنه لم يطور ما ينطوي عليه من منهجية للدراسات الاجتماعية (زايتلن 365ص- 1989). في كتابة التفاعلية الرمزية SYMBOLIC INTERACTIONISM يعرف هربرت بلومر التفاعل الرمزي بأنه خاصية مميزة وفريدة للتفاعل الذي يقع بين الناس وما يجعل هذا التفاعل فريدا هو أن الناس يُفسرون ويؤولون أفعالهم بعضهم بدلاً من الاستجابة المجردة لها، إن استجابتهم لا تصنع مبشرة ويدلا من ذلك تستند إلى المعنى الذي يلصقونه بأفعالهم (BLUMER: 1969: P78-79) ويوضح بلومر أن المرتكزات المعرفية الأساسية للتفاعلية الرمزية تتمثل في أن البشر يتصرفون حيال الأشياء على أساس ما نعنية بالنسبة لهم، أي من خلال المعاني المتصلة بها، وهذه المعاني هي نتاج للتفاعل الاجتماعي في المجتمع الإنساني وهي تحور وتعدل ويتم تداولها عبر تأويل يستخدمها كل فرد في تعامله مع الإشارات التي يواجهها (IBID- 66-68). وهنا لابد من الإشارة إلى أن التفاعلية الرمزية لا تمثل إطاراً نظريا متجانساً من حيث المرتكزات المعرفية المرتبطة بطبيعة البشر وطبيعة التفاعل والتنظيم الإجتماعي والمناهج السوسيولوجية والنظرية السوسيولوجية، وهذه الفروقات واضحة تماما بين مدرسة شيكاغو CHICAGO SCHOOL ومدرسة أبواIOWA SCHOOL ممثلة بكون KUHN ومن المفارقات الهامة أن مدرسة أيوا تؤكد بأن البناءات الاجتماعية تتألف من شبكة مواقع مرتبطة بتوقعات ومعايير وأن البناءات ذات ثبات نسبي وتعمل على تقييد التفاعل ووجهة النظر هذه تقضي إلى نظرية سوسيولوجية  قادرة على تجاوز وصف وتفسير السلوك إلى صياغة تجريدات تسمح بالتنبؤ بالسلوك والتفاعل، بالإضافة إلى أنها تمثل بيئة نظرية أكثر موائمة لاستثمار مفهوم القوة.
الظاهراتية :
كما هو الحال بالنسبة التفاعلية الرمزية فقد دخلت الظاهراتية phenomenology ذات المأزق من حيث تركيزها على المعنى والخبرة المعاشة، متجاهلة القوة وما يمكن أن تحدثه من انقلابات في سياقات المعنى لقد تمثلت الحركة التاريخية للظاهراتية بالتقليد الفلسفي الذي تصاعد في العقد الأخير من القرن التاسع عشر وارتبط بكل من إدموند هوسرل وهايدجر ويونتي ، ويونتيـ، وسارنر لكن هوسرل كان له إسهاما أكبر في تطوير المنهج الظاهرتي وتوصيفه الأمر الذي جعله الأكثر شهرة من بين المؤسسين وبعد ذلك دخلت الظاهراتية إلى التحليل السوسيولوجي بشكل واضح عن طريق القرد ألفرد شونزsvhutz الذي حاول مزج أفكار الفلسفة الظاهراتية مع علم الاجتماع عبر نقد فلسفي لأعمال ماكس فيبر (كريب: 150:1999) تركز الظاهراتية أطروحتها الأساسية حول بناءات الخبرة والوعي لظهور الأشياء في خبرتنا والطرق التي نخبر بها هذه الأشياء، والمعاني التي تكتسبها الأشياء في خبرتنا، جميعها مرتكزات معرفية أساسية في الظاهراتية فالموضوعات والأحداث والأدوات وجريان الوقت والذات والأخرون جميعها تظهر في عالمنا المعاش الذي تخبره ذاتيا والأشكال المختلفة للخبرة تتراوح بين التصور والفكرة والذاكرة والتخيل وبالعاطفة والرغبة وإدراك الذات وصولاً إلى النشاط الاجتماعي بما في ذلك النشاط اللغوي.
1-الإثنوميتودولوجي:
تأسست الإثنوميتودولوجي على يد هارولد جار فنكل وتشير بالمعنى المباشر لها إلى دراسة أساليب الشعوب في خلق النظام الاجتماعي (انظر كريب:156: 1999) ولذلك يطيب للبعض تسميتها (المنهجية الشعبية) folk methodology  أي المناهج التي يفهم بواسطتها الشعب أو الناس العاديين ظروفهم وفي هذا الإطار العام تركز الإثنوميتودولوجي على أن النظام العام غير موجود، لكنه يصنع بجهود الإفراد في المواقف المختلفة ولذلك فإن الفعل الاجتماعي هو محاولة مجهدة لإنجاز النظام الاجتماعي. لقد ركزت الدراسات السوسيولوجية التقليدية على بنية المؤسسات والقواعد الرسمية، والاجراءات المهنية لتوضح ماذا يفعل الأفراد في المؤسسات لكن الإثنومتودلوجي تؤكد بأن مثل هذه القيود الخارجية ليست كافية لتوضيح ما الذي يجري بحق هذه المؤسسات فالإفراد ليسوا مقيدين بهذه القوى الخارجية وأكثر من ذلك فإنهم يستخدمونها لينجزوا واجباتهم وليخلقوا المؤسسة التي يوجدون فيها إن الأفراد يقومون بإجراءاتهم العملية ليس لتحقيق معيشتهم اليومية ولكن ليصنعوا منتجات المؤسسات(RIZER:1992:257) .
2-نظرية التبادل الاجتماعي:
ينصب التركيز في نظرية التبادل الاجتماعي SOCIAL EXCHANGE TEORY على تفسير الفعل الاجتماعي من خلال عمل الأفراد بفاعلية لتحقيق مصالحهم والآلية التي يفهمون با تلك المصالح ومن ثم كيفية تبادلها وتنظر التبادلية إلى عملية التبادل كعملية متأصلة في الفعل الإجتماعي وأنها الأكثر شيوعا في الحياة الاجتماعية ولأن التبادل يمثل أطروحتها الأساسية فقد حاولت التبادلية الاستفادة من علوم مختلفة تعرضت للتبادل وكما يوضح جوناثان تيرنر بهذا الخصوص اجد أن  النظريات التبادلية الراهنة تمثل مزيجا مختلطا وغير محدد من الاقتصاد النفعي والأنثرولوجيا الوظيفية وعلم اجتماع الصراع وعلم النفس السلوكي (1990: 158).
3-جورج هومانز:
لقد ارتبطت نظرية التبادل الاجتماعي باسم كل من  جورج هومانزHOMANS - - BLAU إمرسون EMERSON لم يعد ذلك كارن كوك COOK وقد انطوت نظرية التبادل في حجالة جورج هومانز بشكل خاص على رفض النظريات التي تؤكد على أن هناك بناءات تتشكل خارج الفرد ولذلك فقد رفض أفكار دور كايم حول مبدأ الانبثاق EMERGENCE ووجهة نظره في علم النفس الذي حصره في دراسة الظواهر الداخلية وكذلك منهجيته في التفسير كما رفض جميع المحاولات التي اقتبسبت أفكار دور كايم، مثل الدور كامية الجديدة المتمثلة بأعمال شنراوس التي تركز على الكليات COLLCCTIVRIES  وميلها إلى إعتبار الفرد ليس ضروريا كما خاض معركة فكرية حامية مع البنائية الوظيفية موجها انتقاداته لفكرة المؤسسات.
بيتر بلار:
على خلاف هومانز، فقد مثل مفهوم القوة عند بيتر بلار جزءا مركزيا في أطروحته التبادلية لقد حاول بلار توظيف مفهوم القوة في التبادل الاجتماعي عي عمله الأساسي التبادل والقوة في الحياة الاجتماعية EXCHAGE and power in social life  من أجل ربط المستوى الاجتماعي الأصغر بالمستوى الإجماعي الأكبر إن الخدمات التي تتأسس عليها القوة لا تقتصر على المادية منها فقط فالشخص الذي يمتلك مقدرات ومهارات مميزة يفرض على الآخرين احترامه وقبول قراراته واقتراحاته وذلك لما يتوقعونه من فائدة جراء ذلك وإذا ما تحقق لهم الرخاء نتيجة إتباع آرائه فإن ذلك لا يقوي احترام احترام الآخرين له إنما يلزمهم أيضا بالخضوع إلى توجيهاته بغض النظر ما إذا كان هذا الفعل لصالحهم الشخصية. إن الشخص الذي يمتلك القوة يستطيع استغلال الآخرين بتوظيفهم لخدمة مصالحه الخاصة ويوضح بلار بهذا الخصوص يمكن أن تستخدم هذه القوة في استغلال الآخر كما تستغل المرأة عواطف الرجل من أجل مكسب اقتصادي أوعلى نحو الشاب الذي يستغل الفتاة التي تحبه جنسياً إن تقديم المكافئات بشكل منتظم يجعل الأفراد معتمدين على مصدر هذه المكافئات وخاضعين لقوته، فصاحب العمل مثلاً يستطيع من خلال الجزاءات السلبية التي قد يفرضها على العمال أن يجبرهم على الإذعان لتوجيهاته والخضوع له. وهكذا يمكن الاستنتاج بأن القوة عند بلاو ذات طبيعة إختزالية سكولية ولكن على مستوى الممارسة فإن التفاضل يظهر بصورة واضحة والصياغة الدقيقة لبلاو وبهذا الخصوص هي: إن الذي يتمتع بالقوة يستطيع ان يستخدم قوته في فرض الخضوع والإذعان واستغلال الآخرين وذلك بإجبارهم على العمل لحساب مصلحته (228).
ريتشارد إمرسون:
ريتشارد إمرسونRICHARD EMERSON من التبادلين الذين اكتسبوا شهرة واسعة في الآونة الأخيرة وبشكل خاص بعد عام 1972م حيث نشر مقالتين طور فيهما المرتكزات الأساسية لنظرية تبادلية تكاملية تعامل إمرسون في المقالة الأولى مع المرتكزات السيكولوجية للتبادل الاجتماعي بينما تحول في المقالة الثانية إلى المستوى الأكبر من خلال دراسة شبكات علاقات التبادل في البناءات وفي مقالة ثالثة ركز إيمرسون على التجسير بين المستوى قصير المدى والمستوى بعيد المدى ويفصح عن هذا بقوله: أنا أحاول توسيع نظرية التبادل والبحث من المستوى قصير المدى إلى المستوى بعيد المدى  للتحليل وذلك من خلال دراسة بناءات شبكة التبادل بمعنى آخر أراد إمرسون في مقالة الثاني عام 1972م البدء ببناء نظرية في التبادل الاجتماعي يكون فيها البناء الاجتماعي متغيرا تابعا بينما كان مهتم في المقالة الأولى بالفاعل الفرد منخرط في تبادل مع بيئته ولكن في نظريته بعيدة المدى يمكن أن يكون الفاعلون أفراد أو جماعات أوكليات اجتماعية على امتداد المستويات الاجتماعية المختلفة.
النظريات التوليفية (أنتوني جدنز، بيار بورديو):
تتضمن هذه المحاولات تجاوزاً مقصوداً  للثنائية القليدية في علم الاجتماع والتي تتمثل في (الذاتي، الموضوعي) أو بصورة أوضح، ذلك الانقسام القائم في النظرية السوسيولوجية بين البنائية الوطيفية STUCTUTAL FUNCTCIONALISM علم الاجتماع التفسيري INTERPRETATIVR SOCIOLOGY  أو التأويل HERMEMUTICS  وكان من جراء
 أنتوني جدنز:
يبدى أنتوني جدنر في كتابه تشكيل المجتمع THE CONSTIUTION OF SOCIETY  استياء فكرياً واضحاً من الانقسام القائم في النظرية السوسيولوجية بين البنائية الوظيفية علم الاجتماع التفسيري ويؤكد بأن الفروق بينها ليست معرفيه كما تم تداولها في العلوم الاجتماعية ولكن انطولوجية ولذك من الطموحات الأساسية لنظرية التشكيل STRUCTUTATION وضع نهاية لكل من هذه المساعي ذات البناءات الإمبراطورية، حيث تفرض الوظيفية البنائية    إمبرياليتها على ما هو موضوعي objective بينما يفرض علم الاجتماع التفسيري    والتأويل إمبراياليته على ما هو ذاتي ومن هنا تقترح نظرية التشكيل أن المجال الأساسي للدراسة العلوم الاجتماعية ليس خبرة الفاعل الفرد ولا أي شكل وجودي للكليات الاجتماعية، ولكن الممارسات المنتظمة عبر الزمان والمكان( 2-1-1984( ويلاحظ جدن ان استخدام مفهوم القوة في العلوم الانسانية جاء ليعكس تلك الثنائية بين الذاتية والموضوعي ولذلك تعرف القوة باعتبارها القدة على تحقيق الرغبة الذانية من ناحية وتحقيق الأهداف الموضوعية للجماعة والمجتمع من ناحية أخرى.
بورديو:

على نحو ما فعل جدنز فقد حاول بيير بورديو تجاوز متناقضة (الذاتي والموضوعي) في عمله العام والموحد حول الممارسات الاجتماعية عن طريق إعادة الفهم التكاملي للعلاقات بين الأبعاد الرمزية والمادية للحياة الاجتماعية ومن أجل تحقيق هذا الهدف فقد دخل بورديو في حوار حاسم مع الماركسية وبشكل خاص الماركسية البنيوية عن لويس التوسير وخارج هذا التحدي مع الماركسية الينيوية طور بورديو اقتصاد سياسي للقوة الرمزية والذي يتضمن نظرية المصالح الرمزية ونظرية في القوة كرأسمال ونظرية في العنف الرمزي وراس المال الرمزي( 65، 1997) .

هناك تعليق واحد:

قد يهمك أيضاً :